كان عضو البرلمان الألماني والمتحدث باسم «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» في شؤون السياسة الخارجية، «نيل شميد»، يشرح لي الدور الصغير جدا الذي يلعبه الجيش في سياسة بلاده، حيث قال: «إن عضو البوندستاغ ليس لديه مع الجيش تلك العلاقة العادية التي لديه مع كل طبقة أخرى من المجتمع»، في إشارة إلى أعضاء البرلمان. وربما تُعد ألمانيا مصدِّراً كبيراً للأسلحة، لكن «قطاع الأسلحة ليس مهماً في الحقيقة» بالنسبة لإجمالي التصنيع الألماني والنواب لا يلبون احتياجاته، يقول شميد، مضيفاً أن هناك «مسافة كبيرة جداً إزاء كل ما هو عسكري في المجتمع الألماني». 
غير أن هذا يمكن أن يتغير قريباً. فبعيد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أعلن المستشار الألماني المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتز، عن تحول جذري في موقف بلده الأمني، حيث قال إن ألمانيا ستزود أوكرانيا بالأسلحة، منهياً بذلك سياسةَ عدم إرسال أسلحة قاتلة إلى مناطق الحروب. كما تعتزم ألمانيا زيادةَ إنفاقها العسكري إلى أكثر من 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، إذ قال المستشار: «من الواضح أن علينا استثمار قدر أكبر بكثير في أمن بلدنا». 
ووصف شميد الرسالةَ التي ينبغي للساسة الألمان الآن نقلَها إلى الجمهور قائلا إن عليهم أن يشرحوا أن «الجيش جزء من الدولة وينبغي تجهيزه على هذا الأساس»، على غرار المدارس والجامعات. وهو ما يمثل مؤشراً على عمق التغير الذي يمكن أن تحدثه في المجتمع الألماني الحربُ الأوكرانية.
والواقع أن ألمانيا ليست الوحيدةَ التي قررت زيادةَ إنفاقها على الدفاع. فالدانمارك أعلنت عن خطط لزيادة إنفاقها العسكري إلى 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو هدف حدده حلف «الناتو»، وينبغي لكل الدول الأعضاء تحقيقه. ومن جانبها تعتزم السويد، وهي ليست عضواً في «الناتو»، زيادةَ إنفاقها العسكري إلى 2٪، كما قال رئيس وزرائها إن شباب البلاد ينبغي أن يكونوا مستعدين لأداء الخدمة العسكرية. 
لكن هذا التحول المفاجئ في سياسة ألمانيا الخارجية يبعث على الذهول بشكل خاص. فمنذ الحرب العالمية الثانية، كان الإعلاء من أهمية الجاهزية العسكرية من التابوهات في ألمانيا. وكانت البلاد تشعر بمسؤولية خاصة تجاه روسيا بسبب حجم الخسائر السوفييتية في تلك الحرب. 
ويقول شميد: لسنوات، كان هناك ما يشبه اتفاقاً ضمنياً في علاقة ألمانيا مع روسيا مؤداه أننا «نعترف بمسؤوليتنا التاريخية، والاتحاد السوفييتي، ومن بعده روسيا، يعترف بأن هذه ألمانيا جديدة وبأننا يمكن أن ننخرط في علاقة عادية». وفي «عالم بوتين»، وهو كتاب ألّفته أنجيلا ستانت عام 2019 حول سياسة بوتين الخارجية، كتبت تقول إن القادة الألمان منذ ويلي براندت، الذي أصبح مستشاراً في عام 1969، «كانوا مصممين على عدم تكرار العداء الروسي الألماني». 
لكن حرب أوكرانيا ألغت ذلك التصميم. فاليوم يشبّه الكثيرون الشعورَ في ألمانيا بذلك الذي كان سائداً في الولايات المتحدة عقب 11 سبتمبر. وتقول سوازن نيمان، وهي كاتبة مقيمة في برلين ومؤلفة كتاب «التعلم من الألمان»: «لم يسبق لي أبداً أن رأيتُ حالةً من عدم اليقين وشعوراً بالعجز يخيمان على هذه المدينة من قبل». 
وفي الولايات المتحدة، أثارت العمليةُ العسكرية الروسية والمقاومةُ الأوكرانية البطوليةُ الرعبَ، ولكنها أثارت أيضاً بعضَ التفاؤل والمشاعر الإيجابية. فبعد سنوات من التراجع والتشكيك في الذات، سنوات بدا خلالها أن الزخم السياسي داخلياً وخارجياً بات مع شعبويين مؤيدين لبوتين مثل دونالد ترامب، يبدو أن البعض يرحب بشعور جديد بالوضوح الأخلاقي. وفي هذا السياق، كتبت جينيفر روبن في «واشنطن بوست» تقول: «إن من بين النتائج الإيجابية الكثيرة للأزمة الأوكرانية موت الحنين الجمهوري الخاطئ والخطير إلى الانعزالية». 
والواقع أنه ليس هناك حديث واسع عن نتائج إيجابية في ألمانيا. وفي هذا الإطار، يقول كلاوس شاريوث، الذي كان سفيراً لألمانيا لدى الولايات المتحدة خلال رئاستي بوش الابن وباراك أوباما: «إن الأوروبيين يعرفون أنه لا يوجد أمن كامل في أوروبا إزاء روسيا». وأضاف قائلا: «يمكنك أن توحّد، فنحن جميعا نفعل ذلك، وهذا أمر ضروري بكل تأكيد، لكن إذا بقيت روسيا على نهجها الحالي فلا أحد سيكون آمنا، لأنهم يمتلكون كل هذه الأسلحة النووية التكتيكية. كما يمتلكون صواريخ نووية متوسطة المدى». 
مساء الأربعاء، كان عدد كبير من المتطوعين يساعدون الوافدين الجدد على الانتقال إلى أماكن إقامة مجانية في برلين. وكان المشهد حزيناً بشكل لا يوصف: مئات الأشخاص الذين أُرغموا على ترك ديارهم يملؤون المكان، بعضهم يحمل أمتعة على ظهره، وآخرون يجرّون حقائب. أُسر تفترش الأرض. وبعض الأشخاص يحملون حيواناتهم الأليفة. إن الكارثة التي فروا منها لم تكن بعيدة جداً. فبرلين أقرب إلى لفيف من باريس. 
وتقول ريكاردا لانغ، زعيمة حزب الخضر الألماني، عندما التقيتها في مظاهرة مؤيدة لأوكرانيا أمام السفارة الروسية: «لقد بتنا نعيش في عالم مختلف الآن»، مضيفةً: «إنني كشخص ولد في عام 1994، نشأتُ في أوروبا يعمها السلام. وبالنسبة لي، كان السلام والديمقراطية شيئاً ينظر إليه باعتباره من المسلّمات». لكن هذا التطمين اختفى الآن. ذلك أن الحرب في أوكرانيا قتلت مجموعة كاملة من افتراضات ما بعد الحرب الباردة بالنسبة لألمانيا على الخصوص. ولا أحد يعرف النماذج الجديدة التي ستحلّ محلها. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/03/11/opinion/germany-ukraine-invasion.html