قبل عقد من الزمن نشأت «سكاي نيوز عربية» كمنصة إخبارية عربية متخصصة ضمن مجموعة المنصات الإخبارية العربية المتنافسة في تقديم المحتوى الإخباري، وإن سلكت منذ بدايتها خطاً تحريرياً تنويرياً قدمت من خلاله المعرفة ضمن باقات منتجاتها المختلفة عبر كل الوسائل المعتمدة عليها في التلفزيون والإذاعة ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة الوسائط، تلك كانت البداية التي ارتبطت بالتحولات السياسية الحادة في الشرق الأوسط باندلاع ثورات «الربيع العربي»، وما فرضته من تحديات إعلامية استثنائية.

الإعلام العربي يعيش أوقاته الباذخة، فالقرن الحادي والعشرين ليس كما كان القرن السابق، تقنيات أكبر وحريات أوسع، والأهم في الموضوعية والمسؤولية والالتزام الصحفي بالمهنة.

فعلى مدار عقد حضرت فيه «سكاي نيوز عربية» ضمن مجموعة من المحطات الإخبارية المتخصصة في نقل الأخبار وتحليلها غير أن رؤية الالتزام بالمهنية وتقديم رسالة تنويرية تقدمية كانت هي منهجية المحطة التي حملتها برغم الظرفية الزمنية، وتقدمت بشجاعة ناحية تقديمها للجمهور العربي من الخليج إلى المحيط. تقديم المحتوى التنويري في قوالب صحفية معاصرة كان تحدياً جسوراً مع تلاطم الأمواج العالية وارتفاع نسبة الشعبوية التي كان ينفخ فيها أصحاب مشروعات الإسلام السياسي لتضليل الرأي العام وتوظيف التوقيتات لمصلحة تمرير الأجندة العابرة بالفوضى الخلاقة لتكون محل الاستقرار السياسي.

كان الرهان على المحتوى الموضوعي رهاناً لا يقبل الخسارة، لذلك تناغمت كافة المنصات لتقديم القيمة الأعلى والأكثر تنويراً، فالرأي العام العربي يريد هذه الصيغة من المحتوى، حتى وإن تم تمرير أنه راغب في المادة الصحفية الصفراء ضمن أدلجة العقل العربي الذي حاولوا إخضاعه على امتداد عقود مضت من محتوى شعبوي منزوع القيمة والهوية.

بمثابرة وتصميم وسعت «سكاي نيوز عربية» من منتجاتها عبر منصات مستحدثة بما يطلق عليه الاعلام الجديد (الديجتال)، فهذه مساحة واسعة تقدم فيها المواد باحترافية تحريرية وجودة إنتاج وإخراج تكون في متناول الإنسان العربي الذي يتجاوب معها مشاهدةً وإعجاباً وتعليقاً، حزمة برامج متخصصة من سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية ورياضية قدمت وحصلت على تفاعل هائل بلغة الأرقام التي أكدت صحة الرؤية الأولى بأن المحتوى التنويري يفوز لأن الرأي العام العربي يريد هذه المادة المعرفية ويبحث عنها لذلك تفاعل مع تفاصيلها.

هذه التجربة الناجحة لم تترك للفراغ، بل واكبها قرار لتوسيعها عبر إطلاق أكاديمية متخصصة في غمرة أزمة كورونا، فهذه المحطة ولدت في تحد وصنعت من التحدي فرصة نجاح تحققت في التلفزيون، وآن للمنصات التالية أن تجعل من ظروف الإغلاقات فرصة نجاح وهي ما فعلته أيضاً، تقدم الأكاديمية أفواجاً من الشبان والشابات في قطاع الإعلام العربي بمختلف التخصصات، ليوسعوا من خلال مكتسباتهم ومهاراتهم من منهجية القيم التنويرية والمعرفية في الفضاء الإعلامي العربي.

صناعة المحتوى الإخباري هي حِرفة تصقلها التجربة وترسخها المؤسسات ذات المهنية الصحفية الملتزمة بمكافحة الجهل والتضليل، فالإعلام رسالة سامية قيمتها في احترام العقل وتصويب الاختلالات المجتمعية بموضوعية وليس تجريف العقل لحسابات الأيديولوجية والانحرافات السياسية.

والاستثمار في الكادر وفي المادة العلمية لإخراجها عبر حزمة برامج ترافق المحتوى التلفزيوني عبر كل المنصات المتاحة أظهر جودة الخبرات العربية القادرة على تقديم الإثراء المعرفي، وبات راسماً طريقاً للصحافة العربية لعقود مقبلة، تتسابق في تقديم المادة التنويرية التقدمية كقيمة مضافة للرأي العام، الذي بات يدرك أن المحتوى المصنوع مهنياً سيبقى أكثر حضوراً من ذلك الذي تأتي به صحافة صفراء لن تجد لها مجالاً عند شعوب عربية أصبحت واعية ترفض الوصاية وتختار المضمون الأكثر واقعية وموضوعية.

* كاتب يمني