عندما اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا بدأ النقاش في ذهني بالطريقة التالية: ها هي خريطة روسيا وأوكرانيا بادية أمامي، ودعني أنظر إليها من الجانب الروسي. وها هي المناطق التي اجتاحتها روسيا في أوكرانيا في الماضي، القرم وشرق أوكرانيا الذي يضم أغلبية سكانية من أصول روسية، وها هي الأراضي المتبقية التي تريد روسيا الاستيلاء عليها في غرب ووسط وجنوب أوكرانيا على البحر الأسود وذراعه في بحر أوزال، وهذه هي الحدود الروسية - الأوكرانية ما قبل نشوب الحرب الحالية التي تمتد لمسافات طويلة قريباً من العمق الآسيوي لروسيا.
والآن ربما نستطيع أن نُكوّن فكرة حول وجهة النظر الروسية تجاه دول الغرب بشكل عام خاصة دول الاتحاد الأوروبي. لنتذكر أنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية كانت جميع الأراضي التي أشرنا إليها جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، الذي كانت روسيا هي المهيمن الأوحد على جميع مكوناته.
والآن هل يمكن لنا أن نندهش إذا شعرت روسيا بأنها في خطر من تمدد الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي نحو حدودها بغرض محاصرتها من الغرب والشمال، وربما الشرق مستقبلاً؟
وهل يمكن لنا أن نستغرب من شعور الروس بأنهم سيعانون مستقبلاً إذا ما استمر هذا التمدد بنفس الزخم الذي بدأ به؟ وهل نحن على قدر من الفهم الكافي بأن روسيا قلقه جداً على أمنها الوطني من كل ما قد حدث قريباً من حدودها؟ وربما أن هذه الأسئلة الثلاثة جانبية، لكن دعوني أطرح عليكم سؤالاً أكثر جوهرية وأهمية، وهو: ما الذي يفكر فيه الشعب والقيادة الروسية من وراء هذه الحرب، ولماذا هم يخوضونها أصلاً، وما نوع الأمن الوطني والسلام الذي يريدونه من ورائها؟ 

وفي هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ العالم يعمل الإعلام الغربي على شيطنة روسيا بطريقة مبالغ فيها، لكن الروس يدافعون عن أنفسهم بشدة، في نفس الوقت الذي لا تقتنع فيه أمم الأرض بما يبثه الإعلام الغربي، فدول العالم النامي بالذات تعلم، ولو من ضمن مواقف الاتحاد السوفييتي السابق تجاهها، بأن الروس ليسوا كما يتم تصويرهم من قبل الغرب، فهم معروف عنهم بأنهم شعب واقعي جداً، الذين يبذلون من وقت إلى آخر جهوداً ذهنية كثيرة لتحرير أنفسهم من الأطر ذات الأقفاص المقيدة لهم للتعامل مع دول وشعوب العالم الأخرى بحرية.
لكنهم في موضوع الزحف الغربي تجاه حدودهم والمساس بأمنهم سيقولون للعالم بأنهم لا يقرون أية قراءة دماغوجية لأحداث العالم لكي يجعلوا منها سبباً يعيقهم عن حماية أمنهم الوطني، فهم يقدرون أهمية مستقبلهم ومستعدون لحمايته بشتى الوسائل والسبل.
وعودٌ على بدء، هذه المقالة لا تدعي بأنها تعطي صورة كاملة لمشهد علاقات روسيا بالغرب أو لمشهد الحرب في أوكرانيا، كما أنها لا تحتوي على تاريخ علاقات روسيا بأوكرانيا، وهي أيضاً لا تصف البنى الاجتماعية لكل من روسيا وأوكرانيا اليوم، ولا تصف اقتصادهما، فجميع هذه المعطيات تشكل مواضيع للنقاش، لكنها غير واردة فيها.
هنا المشكلة الرئيسية هي علاقات روسيا بدول الغرب منظوراً إليها من خلال الحرب في أوكرانيا.
ويوجد القليل من البشر الذين لا يشعرون بالحيرة أحياناً من الطريقة التي اندلعت بها الحرب، ومن الطريقة التي تتصرف بها الولايات المتحدة في الشؤون الدولية في هذه المنطقة.
وعندما ننظر إلى التغير في العلاقات الروسية - الأميركية بالذات منذ انتهاء الحرب الباردة نحن نتساءل: لماذا سارت الأمور إلى ما هو أسوأ مما كانت عليه قبلها؟ وأين يكمن الخطأ؟ هل تغيرت الولايات المتحدة والغرب بأكمله؟ أم تغيرت روسيا؟ أم تغير الجميع؟ ونحن في دولة الإمارات ربما نعلم الكثير عن الغرب حول هذه المسألة مما يعرفه عن روسيا ونظرتها الواقعية إليها. 

لذلك، نحن في حاجة إلى معرفة الكثير عن روسيا واحتياجاتها الأمنية ووجهة نظرها حول كل ما يدور في محيطها الإقليمي، فروسيا وغيرها من الدول الكبرى قد تشكل مجالاً حيوياً لمصالحنا الاقتصادية والأمنية والثقافية والتجارية في عالم يتغير على مدى عقارب الساعة يومياً.