تعتبر الممرات المائية شرايين التجارة العالمية، وقواعد مهمة لبسط النفوذ البحري على العالم. ولكي نفهم لماذا تتصرف الدول بحذر قبل مهاجمة أو إدانة الدول الأخرى وإن ضلعت في تجاوزات صريحة، أو الدخول معها في تكتل أو حلف استراتيجي يجب أن نحلل المشهد ككتلة متداخلة، وضمن تلك الشمولية، لقراءة المشهد كيف تصل وتخرج الموارد الحرجة من دول العالم عبر البحار، ومن هنا نعرج على أبرز تلك الممرات «كمضيق هرمز»، أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركةً للسفن، ويمر عبره ثلثا إمدادات العالم من النفط، ويُعد الممر البحري الوحيد بين الخليج العربي وبحار العالم، وهو من ضمن 43 مضيقاً مائياً تستخدمها السفن التجارية العالمية. كما يصنف «مضيق ملقا» كواحد من أكثر نقاط الاختناق البحري ازدحاماً في العالم، وهو يقع بين جزيرة سومطرة في إندونيسيا وشبه جزيرة ماليزيا وسنغافورة، ويربط بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ، وهو أقصر طريق بحري بين الشرق الأوسط والأسواق الآسيوية المتنامية، ويُعد نقطة الاختناق البحرية الأساسية في آسيا، ويُنقل عبره حوالي 16 مليون برميل نفط يومياً، كما يعتبر المضيق ممراً مهماً لنقل الغاز الطبيعي المسال من منطقة الخليج العربي إلى دول شرق آسيا.

وأما عن «مضيق باب المندب» الذي يحتل موقعاً استراتيجياً مهماً بين الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، وتحديداً بين جيبوتي وإريتريا في أفريقيا واليمن في آسيا، ويربط البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب، ويصل ما بين البحر المتوسط والمحيط الهندي، ويعبر المضيق حوالي 3.8 مليون برميل نفط يومياً نحو أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، ويمر عبره أكثر من 50 مليون طن من المنتجات الزراعية. ومن الممرات المهمة كذلك «مضيق البسفور» و«الدردنيل» وهما مضيقان تركيان يربطان بين آسيا وأوروبا، ويمر منهما نحو 2.4 مليون برميل من النفط الخام والمنتجات البترولية يومياً، ويُعدان من طرق تصدير النفط الأساسية من روسيا ومنطقة بحر قزوين إلى غرب أوروبا وجنوبها، وهي ممرات حيوية لأمن الطاقة الأوروبية.

أما في أميركا الوسطى، فهناك «قناة بنما» التي تربط بين المحيط الهادئ والبحر الكاريبي والمحيط الأطلسي، والتي لا تعبرها إلا سفن ذات أبعاد محددة لا يزيد وزنها على 80 ألف طن، حيث تعتبر ممر عبور لحوالي 13 ألف سفينة سنوياً تحمل ما يقارب 204 ملايين طن من البضائع، وتختصر نحو 12500 كيلومتر من رحلة السفن من الساحل الأميركي الشرقي إلى الساحل الغربي.

وبالمقابل، تمثل قناة «مضيق جبل طارق» التي تفصل بين جنوب إسبانيا وشمال غرب أفريقيا، وبين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، أهميةً كبيرةً للدول الأوروبية التي لا تمتلك موانئ على البحر المتوسط، ولذلك يشهد حركة ملاحية كثيفة، إذ تعبره يومياً نحو 150 سفينة، ويمر عبره 5% من تجارة البترول العالمية، وتشكل ناقلات البترول ثلث السفن التي تعبر المضيق بما يعادل نحو 18 ألف ناقلة في السنة، وتعد أهميتها الاستراتيجية والعسكرية مفصلية لأي صراع عالمي قادم.

أما «قناة السويس» التي تربط قارة أفريقيا بآسيا وأوروبا، فهي واحدة من أكثر طرق الشحن استخداماً في العالم والأسهل والأسرع، وتوفر القناة أقصر طريق بحري بين أوروبا والمناطق التي تشترك في الحدود مع المحيط الهندي وغرب المحيط الهادئ، وهي ممر يجب أن يكون مفتوحاً في جميع الأوقات وبغض النظر عن النزاعات العالمية، حيث تمر 12% من حجم التجارة العالمية عبرها.

كما يعد «رأس الرجاء الصالح» حلقة الوصل بين قارة أوروبا والشرق الأوسط وأميركا، إذ تمر منه السفن التجارية المتجهة من آسيا وإليها، ولكن العبور من خلال هذا الطريق يضيف حوالي 15 يوماً إلى رحلة العبور من الشرق الأوسط إلى أوروبا، ومن 8 إلى 10 أيام إلى رحلة العبور إلى الولايات المتحدة، ويعتبر طريقاً بديلاً لقناة السويس وباب المندب.

سالم سالمين النعيمي*

* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات