اختزل فلاديمير بوتين فلسفته السياسية بالتالي: «من لا يفتقد الاتحاد السوفييتي لا يمتلك قلباً، ومن يريد إحياءه لا يملك عقلاً»، والولايات المتحدة هي من دفع بوتين لإيقاظ النزعة السوفييتية في روسيا البوتينية، وستخطئ بشكل أشنع استراتيجياً في حال فشلت في قراءة رسائل بوتين الأخيرة عبر رجل الكرملين العتيد ديمتري بسكوف خلال لقائه مع قناة «سكاي نيوز» الإنجليزية. «نعم خسائرنا كبيرة في أوكرانيا، بل ومأساوية، وذلك أمر مؤسف»، مثل ذلك أول اعتراف رسمي روسي بواقع الحال ميدانياً، إلا أن ذلك ليس الحَدث، بل صدور ذلك التصريح عن ديمتري بسكوف رجل بوتين في المهام الصعاب. وبسكوف ليس بالشخصية التقليدية بحسب المعايير الروسية، فهو دمث جداً، دبلوماسي يتقن أصول وفنون الدبلوماسية، يدرك أهمية الحضور السياسي إعلامياً دون شيطنته خصماً، بل يوظفه وسيطاً، ويجيد توظيف لغة الجسد أمام الكاميرا، والأهم من كل ذلك هو توقيت حضوره الإعلامي في الأزمات الكبرى.

وبحسب بسكوف (سوف يُحسم الأمر خلال الأيام المقبلة، إما عسكرياً بالوصول للأهداف المحددة لـ«العملية العسكرية»، أو سياسياً عبر«المفاوضات»). وهذه الجزئية هي ما يتوجب أن تنتبه له أوروبا قبل واشنطن سياسياً قبل أمنياً. ونحن لا نناقش الموقف الأخلاقي أو السياسي لهذا العمل العسكري سياسياً، وذي الكلفة الإنسانية العالية. لذلك يتوجب حقن الدم أولاً، وتوفير مخرج سياسي يوفر لجميع الأطراف الاستقرار المستدام المنشود، على أن تكون أوروبا هي القائد لهذه المقاربة، وأن تشجع موسكو حدوث مثل هذه المقاربة. وقد يمثل تراجع موسكو تعليق منع التعامل بالعملات الدولية، مؤشراً آخر على رغبتها في خفض مستوى التصعيد، وقد لا يكون ذلك مصادفةً بعد لقاء بسكوف.

سير العمليات العسكرية ليس في صالح القوات الروسية، واستمرارها في معاقبة المدن المقاومة ليس بالعمل العسكري المشرف في العُرف العسكري لكلفته الإنسانية الأخلاقية. إلا أن انغلاق آفاق المخارج السياسية، قد يدفع بموسكو للتصعيد بشكل غير تقليدي بهدف احتواء انكشافها العسكري، ومحدودية خياراتها غير النووية.

الرئيس الأوكراني زيلينسكي عبر بشكل واضح عن رغبته في إنهاء الأزمة عبر التفاوض المباشر أو عبر وسطاء على أساس ضمانات وضامنين، بمن في ذلك الصين، إلا أن أوكرانيا لن تتخلى عن حق مقاومة القوات الروسية المهاجمة إلى حين التوصل إلى تسوية يرضى عنها الطرفان. الرئيس زيلينسكي يعي تماماً أن انضمام أوكرانيا للناتو بات في حكم المستحيل، إلا أن أوكرانيا عبر استمرار المقاومة، فإنها قد تحقق قدرة الردع مادياً وسيكولوجياً في حال قررت موسكو الخيار العسكري مستقبلاً. احتواء هذه الأزمة سريعاً هو لمصلحة أمن عموم أوروبا وروسيا كذلك، فانكشاف الأخيرة عسكرياً قد يغري الصين في التسريع بعملية التمدد في وسط آسيا سياسياً.

*كاتب بحريني