في مقالة سابقة عن موقف الصين من الحرب في أوكرانيا، أشرتُ إلى وصف هذا الموقف بالتوازن على أساس أن الصين لم تؤيد العمليةَ العسكرية الروسية، وأكدت على احترامها سيادة الدول وسلامتها الإقليمية. غير أنها من ناحية أخرى -وهذا سر وصف موقفها بالتوازن- لم تُدِن العمليةَ، وطالبت بضرورة تفهّم الهواجس الأمنية الروسية ولم تشارك في العقوبات على روسيا. ومع اكتشاف برامج الأبحاث البيولوجية في أوكرانيا وأبعادها العسكرية، لم تستخف الصين بما أعلنه الروس ولم تصفه بالكذب، كما فعل الغرب، وإنما طالبت بالتحقيق في الوثائق التي كشف عنها الجانب الروسي، وفسرت هذه المواقف باعتبارها تأييداً غير مباشر للموقف الروسي كان لابد من إخراجه على هذا النحو كي لا تُحَمل الصين، وهي في طريقها إلى القمة، باتهامات انتهاك الشرعية الدولية وتداعياتها على صورتها. غير أن الصين ليس بمقدورها أن تخذل روسيا في هذه الحرب، لأنها الحليفَ الطبيعي والأقوى لها في سباق الوصول للقمة العالمية. وحتى ولو كانت ثمة تباينات روسية صينية في هذه القضية أو تلك، فسوف تكون ثانويةً بالقياس إلى التناقضات الرئيسية بين الصين والولايات المتحدة، باعتبار أن الأولى تمثل التهديد الرئيسي للانفراد الأميركي بزعامة العالم. ورغم هذه الحقيقة التي تبدو بديهيةً فإن التحالف الغربي عامةً، والولايات المتحدة خاصةً، يبذل جهوداً مستميتة للضغط على الصين بشتى السبل الممكنة كي يستدرجها لإدانة السلوك الروسي وللمشاركة في فرض العقوبات عليه أو على الأقل عدم دعم موسكو بما يساعدها على التصدي لآثار العقوبات أو التخفيف منها.
وفي هذا السياق، أتى لقاء وزيري خارجية البلدين كي يؤكد التحليل السابق، فقد التقى الوزيران في نهاية الشهر الماضي، وصرَّح لافروف عقب اللقاء بأن العالَمَ يعيش مرحلةً بالغةَ الخطورة في تاريخ العلاقات الدولية، قائلاً: «سنمضي نحن وأنتم، والمتعاطفون معنا، نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب عادل وديمقراطي». وفي بيان مشترك قال البلدان إنهما يريدان الاستمرار في تعميق التنسيق على صعيد السياسة الخارجية وتوسيع العمل المشترك. ونقلت الخارجية الصينية عن وزيرها قوله: «العلاقات الصينية الروسية صمدت أمام الاختبار الجديد للوضع الدولي المتغير، وحافظت على الاتجاه الصحيح للتقدم»، وأضاف الناطق باسم الوزارة عند سؤاله عن زيارة وزير الخارجية الروسي: «التعاون الصيني الروسي لا حدود له. سعْيُنا إلى تحقيق السلام لا حدود له. دفاعنا عن الأمن لا حدود له. معارضتنا للهيمنة لا حدود لها». 

وتتسق تلك التصريحاتُ جميعُها كل الاتساق مع الإعلان المشترك الصادر في 4 فبراير الماضي عن القمة الصينية الروسية، والذي أشار عنوانه إلى «دخول العلاقات الدولية عهداً جديداً»، وهو المعنى نفسه الذي تكرر في سياق اجتماع وزيري خارجية البلدين الأسبوع الماضي. ويُلاحظ تركيز إعلان القمة على تبلور نزعة جديدة تقضي بمراجعة توازن القوى في العالم في تلميح واضح إلى رفض الرغبة الأميركية في تكريس الهيمنة الأحادية على هذا النظام، ويلاحظ كذلك اهتمام الإعلان بتفنيد مثالب هذه الهيمنة بإشارته إلى لجوئها لسياسة القوة، والتدخل في شؤون دول أخرى، كما اهتم بتقويض التركيز الأميركي على قيمة الديمقراطية واستخدامها ضد خصومه كما حدث في «قمة الديمقراطية» في ديسمبر الماضي. وشدد على أن محاولات بعض الدول فرضَ معاييرَ ديمقراطية خاصة بها على بلدان أخرى تمثل إساءة للديمقراطية وتقوض النظام العالمي، والأهم تأكيد الإعلان على دعم البلدين لمصالحهما الجذرية وسيادتهما ووحدة أراضيهما ومعارضتهما لتدخل القوى الخارجية في شؤونهما. ويُلاحظ أن الإعلان قد صدر إبان احتدام الأزمة الأوكرانية، وهو ما يعني أن الرهان على تقويض العلاقات الصينية الروسية يبقى بلا أساس.

أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة