عند لحظة التاريخ يختصر الزمن دون أن نشعر، ونرى واقعاً محسوساً يتخطى الشعور ذاته. في عام 1976، وفي جامعة «العين» حاضرنا أحد الأساتذة الذين شاركوا في حرب أكتوبر 1973 عن عِظم التضحيات التي دفعتها القوات المسلحة لاسترجاع سيناء إلى أحضان مصر العروبة والإسلام السمح.
دارت الأيام ولمدة 33 عاماً، وفي 19 مارس 2022 ، فإذا بنا ولا في الأحلام، عند العلامة «91 »، آخر شبر تم تحريره من أرض سيناء المباركة، نرفع علمها مع نخبة من المسؤولين وعلى رأسهم محافظ جنوب سيناء.
انتقلنا بعد ذلك إلى الجامع لأداء صلاة الجمعة التي ألقاها وزير الأوقاف في خطبة مليئة بشحنات من حب الوطن على أساس أنه دين وديْن في آن، وعلى هذا الأساس عادت سيناء وبعد سبع سنوات من المباحثات الشاقة التي وصفها مبارك في كلمته آنذاك:«الجماعة تعبونا».
ولكن بهذا الإصرار والمثابرة التي استخدمت فيه الدولة المصرية كل أدوات السياسة الدولية لاسترجاع كل ذرة من ترابها الطاهر، من الحرب والمفاوضات والقوانين الدولية بالمحاكم الخاصة، كل ذلك من أجل إثبات أن القادر على الحرب وتحقيق الانتصارات فيها مؤهل لصناعة السلام من دون إراقة قطرة دم واحدة.
وفي جامعة الملك سلمان التي بنيت في فترة قياسية لم تتعد السنتين مع صرحيها الممردين من قوارير العلم، مدينة متكاملة مفخرة لنا جميعا، كان في انتظارنا صقور القوات المسلحة الباسلة التي خاضت كل معارك مصر الخالدة في الميدان أو في غرف المباحثات البينية والدولية لسبع سنوات مليئة بالآمال السمان في باطن الرحمة وإن كان في ظاهرها عذاب العجاف، إلا أنها تكللت بالنجاح الكامل باستعادة حق وراءه مطالب لا يتراجع عن حقه، وقد كان.
شاركنا في الندوة التثقيفية التي عقدت في الجامعة الأيقونة بمناسبة العيد القومي لتحرير طابا، حيث ضمت اللواء الدكتور سمير فرج أحد أبطال جميع الحروب التي خاضتها مصر إلى ساعة تحرير طابا بجدارة اللجنة القانونية، التي ضمت في أعضائها الدكتور مفيد شهاب أحد كبار رجالات القانون الدولي.
وكان من مصادفة الأقدار أن ألتقي بالدكتور مفيد مباشرة، ولأول مرة بعد صحبة فكرية عبر صفحات الجرائد من سنة 1996 حتى لحظات اللقاء في 2022، لكي نثبت كم الدنيا عجيبة عندما تنتقل إلى مرحلة القرية العالمية، فتحقق بذلك ما يقال في الأمثال الدارجة «الجبل مع الجبل لا يلتقيان، ولكن الإنسان مع الإنسان لا بد وأن يلتقيا». 
هذا وفي ختام الندوة، فاجأنا محافظ جنوب سيناء عندما صعد المنصة من جديد ليبشر الحضور الغفير، بأمرين إلى درجة كبيرة من الأهمية يلخص دور مصر في مواجهة الإرهاب والتطرف، فكان ثمرة ذلك، التخلص من آخر إرهابي في سيناء، وفتح الطريق الدائري على مدار 24 ساعة متواصلة بعد أن كان يغلق لساعات طويلة، فهي قصة نجاح أبهرت الحاضرين، وقد انتهت الندوة بتصفيق حار من الحضور كاد أن لا يتوقف لشدة التأثر بالموقف المشرف لعمل بواسل القوات المسلحة.
فهنيئا لمصر دولة ثرية وحكومة فاعلة في الأحداث الكبرى، وشعباً واعياً لم يتنازل عن حبة رمل من ترابه الطاهر.
كاتب إماراتي