غداً يُختتم «إكسبو 2020 دبي»، بعد نصف عامٍ على افتتاحه. شُيدت مدينة مساحتها ضعف إمارة موناكو، ما تحت الأرض أوسع مما فوقها، لا تُرى الشَّاحنات النَّاقلة لآلاف الأطنان، إلى المطاعم والأسواق والفنادق والمعارض، تتحرك تحت الأرض بلا ضجيج، مع بنية تحتيَّة عالية الجودة، طرقات ومجارٍ وأبنية ضخمة، ومحطة مترو. بلغ عدد المتطوعين المُنظمين ثلاثين ألفاً، مِن 180 جنسية، مع أمن صارم، لا تشاهد حمايات وعساكر وسِلاحاً. زاد عدد الزَّائرين على 22 مليوناً، يدخلون ويخرجون بسلاسة. شاركت القارات كافة، 192 دولةً، كلُّ دولةٍ عرضت ما لديها، من تاريخ وحاضر ومستقبل.

خلت واجهات الأجنحة مِن شعارات عقائدية سياسية، ما عدا دولة نقشت على واجهة جناحها: «إن شعبها حرٌّ ومصمم على البقاء حُراً» ونست ما تعرضه للمستقبل. غير أنَّ زيارة سلطان الفرقة المسالمة (البُهرة) كانت شيئاً آخر! لم نعرف مِن قبل أنَّ أهم الاختراعات والاكتشافات بدأت أوهاماً، في دورات إكسبو، التي بدأت منذ ثلاثة قرون، ثم دخلت حيز التَّنفيذ، ولا وجود لابتكارات الأسلحة. حضرت أفريقيا كافة، وكان الفن في مقدمة عروضهم، كلّ دولة قدمت تاريخها، وطقوسها، عبر موسيقاها وأغانيها.

تخبرك معارض الدُّول ماذا كانت عليه، واحدة مِنها لم تخش أن أهلها كانوا عبيداً للملاكين الأميركان، لكنهم عمروا أرضاً كانت بوراً، أنزلهم النّخاسون على سطحها مِن السّفن مقيدين، فزرعوا وشقوا الغابات لمصالح الملاكين، ورداً على العبودية سَمَّوا تلك الأرض «ليبريا» نحتاً من «ليبرتي». حضر رؤساء ورؤساء وزارات مِن الفنانين، كرئيس وزراء ألبانيا، ورئيس ليبريا كان لاعب كرة، اختلط في انتخابه الرِّياضي والسِّياسي، كان البيض والسُّود يرحبون به بإكسبو رافعين أعلام الأندية التي لعب لها.

إلا الملوك، فالملك يرث ولا يُعين ولا يُنتخب، وكلُّ جالية ترحب بوفدها بالغناء والهتاف، فلا ننسَ هناك مائتا جنسية تعيش بالإمارات، مِن غير القادمين لإكسبو خصيصاً. كان وجود النِّساء، حاكمات ورئيسات برلمانات لافتاً للنظر. رأيت وفوداً كلَّ أعضائها بيضاً والرَّئيس أسود، ورأيتُ العكس أيضاً، كلُّ رئيسات ورؤساء الوفود يدعون إلى الاستثمار والسياحة ببلدانهم، إلا الدّول الفاشلة، قالها رؤساء وفودها بصوت خفيض.

كان العدد(192) دولةً، وعلى مدى ستة شهور، في احتفال كلّ دولة، يقف يومياً المفوض العام لإكسبو 2020، وزير التَّسامح والتَّعايش الإماراتي، يُلقي خطابه ارتجالاً، مستعرضاً تاريخ الدُّول وحجم علاقاتها الثقافية والاقتصادية مع بلاده، والخُطب بالإنكليزية والعربيَّة، حسب ألسنة الوفود. استرعى التفاتي حفظه لأسماء الرُّؤساء ومرافقيهم، وبعضها تجاوزت حروفه ربع السَّطر.

يُختتم إكسبو2020، الأول بالشَّرق الأوسط وآسيا منذ 1972. تحدث رؤساء وفود الدُّول كافة عن عروض دولهم، دون استغلال المنصة لغرضٍ آخر، ما عدا رئيسة الوفد الأميركي ذكرت زيارتها لجناح أوكرانيا، لإعلان موقف سياسيّ. سيفتقد الملايين «إكسبو» الجامع بين العلوم والفنون، ففي جناح الرؤية حضر الفلاسفة والعلماء القدماء مِن الكندي إلى ابن سينا والفارابي والحسن بن الهيثم، بصور حيَّة كأنهم يتحدثون إليك بنظرياتهم. أما المكان فمدينة بأحدث التّقنيات مرسوماً ماذا ستكون عليه، بعد إكسبو، وقبلها كانت رمالاً تنفخ فيه «صِلال الفلا».

كان إكسبو اجتماعاً عالمياً نحو بيئة نظيفة، ومستقبل أممي مريح. اجتمع على أرضه البَشر بمختلف أديانهم، تجمعهم مصليات متعددة الأديان الموزعة بين الأبنية، حضر «مَن شب ومَن شاب/ ومَن أظلم كالفحمِ/ ومَن أشرق كالماس»!

* كاتب عراقي