استقبلت دولة الإمارات العربية المتحدة الرئيس السوري بشار الأسد في 18 مارس الجاري في أول زيارة له لدولة عربية منذ عام 2011، هي زيارة صُنفت بالمفاجئة، وكثرت معها التساؤلات والتكهنات حول خلفيتها وأبعاد الزيارة وانعكاساتها الإقليمية والدولية، فهل كان للأزمة الأوكرانية وإعادة تشكيل خريطة التوازنات الدولية والاصطفاف الدولي بين روسيا والولايات المتحدة والدول الغربية دور في تسريع عملية كسر الجمود السياسي مع سوريا؟

وماهي انعكاسات الخطوة عل العلاقات الأميركية الإماراتية في ظل العقوبات التي يفرضها قانون «قيصر الأميركي»؟ وهل تكون زيارة الأسد للإمارات بشارة لعودة سوريا إلى الجامعة العربية؟ 
في سياق تتابع الأحداث لم تكن الزيارة مفاجئة للمطلعين على تحولات سياسة الإمارات الخارجية في المنطقة، حيث تعكس الزيارة سياسة دولة الإمارات الرامية إلى نسج علاقات متوازنة، وخفض التوترات في المنطقة، وتعزيز الدور العربي في مقاربة عملية لإيجاد حلول لأزمات المنطقة، كما صرح الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد، تنطلق من توجه الإمارات الرامي إلى تكريس الدور العربي في الملف السوري، مؤكداً أن الأوضاع الإقليمية المعقدة تستوجب تبني منهج عملي ومنطقي، لا يقبل تهميش الجهود العربية الساعية لمواجهة التحديات، وتجنب شرور الأزمات والفتن، وبذلك تكون دولة الإمارات رائدة في فرض سياسة التهدئة في المنطقة والانفتاح في علاقاتها الخارجية، بدءاً من العلاقات مع إسرائيل وتركيا وإيران، وصولاً إلى سوريا. كل تلك السياسات الحكيمة تهدف في مجملها إلى التهدئة الإقليمية في الملفات الخلافية، وإقامة علاقات دبلوماسية متميزة ومتوازنة مع الأطراف الإقليمية والدولية تُمكن الإمارات من أن تلعب دوراً دبلوماسياً كوسيط مهم في احتواء، وخفض التصعيد في الخلافات البينية داخل المنطقة. 
علقت الخارجية الأميركية على الزيارة بالقول إنها«تشعر بخيبة أمل شديدة ومقلقة من هذه المحاولة الواضحة لإضفاء الشرعية على الأسد». خيبة الأمل الأميركية أو التباين في السياسات بين واشنطن وأبوظبي ظهر في عدة ملفات. فمن الواضح أن المنطقة تشهد إعادة تشكيل للتحالفات، والعلاقات تسارعت بفعل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فبالرغم أن دولة الإمارات تلتزم بسياسة عدم الانحياز لأي طرف في العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، إلا أن الإمارات لم تستجب للمطالب الأميركية بزيادة إنتاج النفط وتصديره للحيلولة دون ارتفاعات جديدة متوقعة في أسعاره على العكس من قرارات منظمة «أوبك+» ومجموعة «أوبك بلس»، التي تعتمد أساساً خفض الإنتاج التدريجي للمحافظة على الأسعار في السوق العالمية، وتتقاطع العلاقات الإماراتية الأميركية كذلك في عدة ملفات ذات علاقة بالملف السوري أبرزها ملف الاتفاق النووي مع إيران الوشيك، وتنازلات إدارة بايدن المتوقعة لصالح طهران بما يتعارض مع التحفظات الأمنية التي سبق وأعلنتها دول الخليج بخصوص الاتفاق النووي. ولكن رغم التباين في السياسات، لن تُفرط دولة الإمارات بعلاقتها الاستراتيجية مع واشنطن.

لقد أعادت دولة الإمارات في السنوات الماضية تشكيل خريطة أولوياتها السياسية في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، وجاءت الخطوة الإماراتية المستقلة تجاه سوريا تجسيداً لسياسة متوازنة وواضحة تجاه احتواء الصراعات الإقليمية بما يتوافق مع مصالح دولة الإمارات، وتجسيداً لرؤيتها الاستشرافية ووعيها الاستراتيجي. 

كاتبة إماراتية