يتزايد الضغط من أجل اعتماد جرعة رابعة من لقاح فيروس كورونا في الولايات المتحدة، التي تواجه ما يمكن أن يكون موجةً أخرى من العدوى. وكان صانعان رئيسيان للقاح قد طلبَا من «إدارة الغذاء والدواء» الموافقةَ على جرعة معزِّزة أخرى من اللقاح، في اعتراف ضمني بأن فعالية اللقاحات تنقص وتتلاشى مع الزمن.

كل هذا الحديث أثار سؤالا مقلقاً ألا وهو: هل سيتعين علينا جميعاً تلقِّي جرعات كل بضعة أشهر مستقبلا؟ الجواب، لحسن الحظ، يبدو أنه لا، إذ تشير الدلائل إلى أن معظم الأشخاص لن يحتاجوا إلى جرعة رابعة. فالأشخاص الذين يعانون من ضعف النظام المناعي والمسنّون المعرَّضون لخطر إصابة شديدة سيحتاجون جرعةً أخرى على الأرجح، وقد يحتاجون للاستمرار في تلقيها إلى حين توافر لقاح طويل المفعول، ولكن بالنسبة لمعظم الناس ستكون المناعة التي توفّرها الجولة الأولى من اللقاحات والإصابات الطبيعية كافيةً لحمايتهم. كيف لنا أن نكون متأكدين من ذلك؟ إننا نعرف أن اللقاحات تولِّد أجساماً مضادةً ضد «سارس-كوف 2»، وهو الفيروس الذي يسبب «كوفيد-19»، ونعرف أن هذه الأجسام المضادة يمكن أن تكون أقل فعاليةً ضد متحورات جديدة مثل أوميكرون. وحتى في حال عُززت تلك الأجسام المضادة بجرعة إضافية، فإن فعاليتها ستتناقص وتتلاشى بعد عدد من الأشهر.

غير أن الفيروسات، لحسن الحظ، تولِّد أيضاً شيئاً يدعى «المناعة الخلوية»، التي تدوم فترة أطول وتحمي ضد المرض الشديد لفترة أطول كذلك. بعض الدراسات أظهرت أن خلايا الذاكرة البائية المنتجة للأجسام المضادة، التي تولدها اللقاحات أو تظهر نتيجة إصابة سابقة، تتعرف على الفيروس، بما في ذلك متحوراته. ورغم أننا لا نعرف حجم المدة الزمنية التي تدوم فيها خلايا الذاكرة البائية هذه، فإن الناجين من وباء الإنفلونزا في عام 1918 استطاعوا إنتاج أجسام مضادة من خلايا الذاكرة البائية عندما تعرض دمهم للنوع نفسه من الإنفلونزا بعد تسعة عقود على ذلك. ويذكر هنا أن اللقاحات تساعد أيضاً على إنتاج الخلايا التائية. وإذا كانت الخلايا البائية تلعب دورَ بنوك ذاكرة لإنتاج الأجسام المضادة عند الحاجة، فإن الخلايا التائية تضخِّم رد الجسم على أحد الفيروسات وتساعد على تجنيد الخلايا لمهاجمة المرض بشكل مباشر. وقد أظهرت دراسةٌ فحَصَت مشاركين لديهم درجات متفاوتة من حدة المرض الأولي أن خلايا الذاكرة التائية التي تنتج عن الإصابة بـ«كوفيد-19» قد تدوم حياةً كاملةً. كما أظهرت دراسة حديثة أن خلايا الذاكرة التائية التي تولد في الأفراد الذين نجوا من إصابة مختلفة بفيروس كورونا في عام 2003 تدوم 17 عاماً على الأقل.

والواقع أنه خلال ارتفاع حالات الإصابة بمتحور أوميكرون هذا الشتاء، رأينا بالفعل فرصاً أكبر للإصابة بالفيروس من جديد مقارنةً مع المتحورات السابقة، ولكن ليس في المرض الشديد عبر السكان بشكل عام. فقد أظهرت دراسة من قطر أن إصابة طبيعية سابقة بالفيروس تحمي ضد إعادة إصابة معتدلة بمتحورات سابقة في 90٪ من الأحيان، لكن تلك الحماية تراجعت إلى 56٪ ضد أوميكرون. وهناك لقاحان وفّرا حمايةً من إعادة إصابة معتدلة في 89٪ من الأحيان ضد متحور دلتا، لكن تلك الحماية تراجعت إلى 36٪ ضد أوميكرون في دراسة كندية. وربما يعزى هذا إلى أن متحور أوميكرون كان قادراً على تجنب الأجسام المضادة.

غير أنه في كلتا الدراستين تواصلت الحماية ضد المرض الشديد، ربما بفضل الذاكرة المناعية.ووفق دراسة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن زيادة الأجسام المضادة نتيجة جرعة اللقاح المعزِّزة قد تدوم فترة قصيرة فقط، تناهز أربعة أشهر. غير أن هذه الجرعة المعزِّزة ستكون ضروريةً بالنسبة لبعض المجموعات من أجل الحفاظ على الحماية من المرض الشديد، بما في ذلك الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة، والمسنون، والأشخاص الذين لديهم عوامل خطر متعددة، وذلك لأن الخلايا البائية تستغرق في العادة يومين إلى أربعة أيام لإنتاج أجسام مضادة، وهو ما قد يمثل فترة طويلة جداً للانتظار بالنسبة للأشخاص الأكثر تعرضاً للمرض الشديد. وفي دراسة أخرى لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وجدت هذه الأخيرة أن الأشخاص الذين يعانون من ضعف شديد في المناعة والأشخاص الذين تفوق أعمارهم 75 عاماً ومصابين بأربعة أمراض متزامنة معرّضون لإصابات شديدة.

وإذا كان الأشخاص الذي يعانون من ضعف المناعة قد تمت الموافقة على تلقيهم جرعة رابعة معززة من اللقاح، فإن المسنين الذين يعانون من أربعة أمراض من المفترض أن يكونوا التالين. بيد أنه ليست هناك أدلة على أن جرعة رابعة ستكون كافية لبقية السكان الأميركيين. فقد أظهرت دراسة حديثة نشرت في دورية «نيو إنجلند جورنال أو ميديسن» المتخصصة أن جرعة رابعة للعاملين في الرعاية الصحية لم تحسّن فعالية اللقاح أو تقلّص الشحنة الفيروسية. في المستقبل قد نحتاج إلى لقاح معزز يعرّضنا للفيروس بأكمله، عوضاً عن استخدام لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال أو لقاح الحمض النووي الذي يعرّضنا لجزء من الفيروس فقط. ذلك أن لقاحات الفيروس الكامل قد توفّر حماية أكبر ضد متحورات ذات الطفرات المتعددة في البروتين الشوكي. هذا مع العلم أن اللقاحات التي تعطى داخل الأنف قد تساعد على تعزيز الأجسام المضادة في الأسطح الأنفية، الأمر الذي سيساعد على كبح انتقال العدوى الفيروسية. ولكن في الوقت الراهن، يمكن القول إن اللقاحات التي لدينا تبلي بلاء حسنا في تفادي المرض الشديد لدى معظم الأشخاص. وعليه، يجدر بالأشخاص الذين لديهم حالة صحية هشة الشروع في تلقي جرعة رابعة لتقوية دفاعاتهم. أما بالنسبة لباقي الأشخاص، فإنه ليس من المنطقي إعطاؤهم مزيدا من الجرعات المعززة.

*أستاذة الطب بجامعة كاليفورنيا -سان فرانسيسكو.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»