حلَّ المفكر المؤرخ العربي الدكتور رشيد الخيون، وهو أحد أبناء شيوخ عشائر جنوب العراق ذي التفكير التنويري المتحرر من تقاليد القبيلة وعادات العشيرة، ضيفاً على قناة «روتانا» في برنامج «في الصورة» الذي يعده ويقدِّمه الإعلامي السعودي المتميز عبدالله المديفر. وقد تابعت المقابلة عن كثب وبشغف قبل عدة أيام، واستمتعت بها وبما تحدث حوله الخيون الذي يفضل عدم ذكر الدال قبل اسمه، رغم حقه الأكاديمي في ذلك. تَمعَّنت في ما أدلى به من حديث شائق وقصص عميقة وملهمة، غنية بالمعلومات الدينية والتاريخية والتراثية المفصلة. فهو باحث متخصص في تاريخ الأديان، أعرفه صديقاً عزيزاً، وقد سبق أن كتب عني في أحد مؤلفاته، كما سبق أن اختلفنا واتفقنا في قضية جدلية هامة قبل عدة سنوات في أبوظبي. وشاءت الأقدار أن نكون زملاء نكتب في هذه الصحيفة الموقَّرة («الاتحاد»).
تحدَّث الخيون عن كتبه العديدة وبحوثه العلمية وأفكاره المستنيرة، ولفت انتباهي بحديثه الجريء حين اتهم أبا عِلمَي التاريخ والاجتماع عبدالرحمن ابن خلدون (1332-1406)، وقال إنه سرق مقدمته من كتاب «إخوان الصفا». وأضاف الخيون: لقد تابعت الموضوع بشكل دقيق ومدروس وتمعّنت فيه منذ عام 1993، مشيراً إلى أن ابن خلدون ذكر كل المصادر التي استند إليها من كتب الطبري والمسعودي والطرطوشي، بما في ذلك كتب أخذ منها سطراً أو سطرين، وربما صفحة، ماعدا كتاب «تُحف إخوان الصفا» الذي استولى عليه كاملاً، وحين نقرأ كتابَه «المقدمة» نجد أنه منسوخ تماماً من ما كتبه «إخوان الصفا»، وهم جماعة من الفلاسفة المسلمين ظهرت في القرن الثالث الهجري (العاشر الميلادي)، وكانت جماعةً غامضةً ظلمها المؤرخون. ورغم إشادته ببراعة وذكاء وعبقرية ابن خلدون، بوصفه مفكراً وقامة علمية كبيرة، فإنه لا يتردد في القول بأنه استولى على كتاب «تحف إخوان الصفا»، من دون وجه حق وبدون أي إشارة لهذا المصدر، وهو رسالة علمية من 52 مقالة، استعاره ابن خلدون واقتبسه كاملاً في مقدمته.
ويذكر الخيون أن ابن خلدون قال: اختليت واعتكفت في قلعة «بنو سلامة» وأتاني الإلهام الرباني وكتبتُ المقدمةَ! كما يقول إن اتهاماته بحق ابن خلدون وردت أيضاً في كتاب «نهاية أسطورة نظريات ابن خلدون» للباحث المصري الدكتور محمود إسماعيل الذي أوضح بالدليل القاطع أن كتاب «المقدمة» مقتبس من «إخوان الصفا»، وبسبب ذلك الكتاب حصلت ضجة في أوائل التسعينيات. 

ويعتقد الخيون أن ابن خلدون لو كان قد أشار لـ«تحفة إخوان الصفا» لأعفى نفسه من تهمة السرقة، وأن ورود الكتاب دون أن يكون موقعاً باسم ذي دلالة واضحة، ربما جعل ابن خلدون يعتقد بأن استعارتَه كاملاً قد تمر على القارئ مرور الكرام!

وحين واجهه مقدم البرنامج بالسؤال: هل تستطيع أن تتهم ابن خلدون وتقول إنه سارق ولص؟ قال الخيون: نعم إنه سرق.. وذلك رغم أن ابن خلدون نفسه كان يحذِّر من سرقة النصوص ويجرِّمها، لكنه وقع في الفخ وارتكب نفس الخطيئة والجرم!
ولأن الخيون مؤرخ وباحث يوثق مصادره العلمية والتراثية توثيقاً علمياً، فقد اتهم ابن خلدون بالسرقة دون أدنى شك أو تردد.
الخيون، بجُرأته وصرامته المعهودتين، وجد ابن خلدون متلبِّساً بجريرة السرقة، واستشهد في ذلك بما سبقه إليه في هذا الصدد كتاب وباحثون، والله شهيد على ما يقولون!

كاتب سعودي