خُلق الرجل والمرأة شريكيْن لرحلة الإنسانية في الحياة ومتلازمين في حماية الحضارة .. عند الإنسان الأول لم يكن البناء الاجتماعي يعرف التقسيم الجندري بمعناه التفضيلي ومع تطور الحياة نشأت ثقافات بشرية متتالية أخرت المرأة إلى الوراء وتحولت من شريكة إلى تابعة .. ومع التطور المعرفي للحضارة بدأت المرأة تستعيد مكانتها القديمة، كونها شريكة وأصبحت فكرة المساواة سائدة، وإنْ كنت أجد أن العدالة هي القيمة التي في ظلها سينتهي تماماً التقسيم الجندري، كما أشرت في مقالات سابقة، وكل ذلك ينعكس على اتساع دور المرأة في المحافظة على اتزان وأمن المجتمع.

حين نتوقف قليلاً من لهاث الحياة ونتأمل المرأة ومياكنيزمات علاقتها بالرجل والمفردات الحياتية وآليات الحراك المجتمعي نجد أن المرأة عنصر مهم جداً، إنْ لم تكن هي العنصر الأهم في تحقيق الأمن المجتمعي، ولن أذهب بعيداً إن قلت إنها رمانة الميزان في نجاح التماسك المجتمعي، الذي يمثل ركيزة أساسية في الأمن المجتمعي.

يهدف تحقيق الأمن المجتمعي إلى خلق بيئة مجتمعية قادرة على استيعاب الخطط الاستراتيجية للتنمية في كافة المجالات فهو بمثابة الدرع الذي يحافظ على تماسك المجتمع ويحقق البيئة الآمنة للتطور، ولأن المجتمع هو مكون من منمنمات فردية تتكون في أسرة والأسرة هي الوحدة الأولى لبناء المجتمع وتحقيق التماسك الأسري، والاستقرار الإنساني للأفراد داخل إطار العائلة.

المرأة هي الأم التي يظل الطفل ملتصقاً بها سنوات عمره الأولى، والتي هي المرحلة الحرجة في تكوين شخصية الطفل المستقبلية وبناء وعيه العاطفي والعقلي وغرس ملكات التفكير الإبداعي والابتكاري والنقدي، وتكوين بذور الاستقلالية الفردية والاعتمادية على الذات وتحقيق الأساس النفسي الذي تبني عليه السمات النفسية اللاواعية للطفل والتي تمثل النسبة الأكبر من السلوكيات في مراحله العمرية المتقدمة ولذلك المرحلة المبكرة من الطفولة هي المرحلة الأهم والأخطر في تكوين شخصية الطفل، وتلك مرحلة تكون فيها الأم هي الأكثر أثراً، ويعتمد ما يأتي بعدها على قدرتها على قيادة تلك المرحلة من حياة الطفل الذي سيكبر، ليكون الرجل والمرأة هما المسؤولان عن مسيرة المجتمع.

وتستمر المرأة في أثرها على الأمن المجتمعي كزوجة وشريكة للرجل في بناء كيان أسري متماسك، يتيح المحيط المناسب لاحتواء رحلة التنشئة للأجيال الجديدة والقيمة الأساسية، التي تقوم عليها الأسرة هو الشراكة لا المغالبة التي تتيح جواً متزناً من العلاقات الإنسانية بين الأم والأب، يؤثران في البيئة المحيطة بالأطفال، مما يتيح جواً إيجابياً يسهم في تعزيز تربية الأطفال وتنشئتهم باتزان وثبات نفسي وشخصي.

أما المرأة العاملة، فهي مساهمة بصورة فاعلة وملموسة في تحقيق الأمن المجتمعي، فتمكين المرأة بأداء دورها كاملاً تحت مبدأ العدالة والتوازن يحقق لها الشعور بالأمان الوظيفي وهذا سينعكس على إدارة علاقاتها الاجتماعية داخل مؤسسات الأسرة والعمل.

هذا الانعكاس سيحقق مردوداً إيجابياً في أداء المرأة العاملة الوظيفي وقدرتها على الإنتاج والابتكار وتحقيق التفوق في تنفيذ الاستراتيجيات العامة للدولة وللمؤسسة التي تنتمي إليها، وكم هي كثيرة النماذج الإماراتية التي تثبت قدرة وكفاءة المرأة الإماراتية، كما أن ذلك يزيد من تفاعل المرأة الإيجابي مع قضايا المجتمع وتحقيق الاستقرار، مما يحقق قيمة المرأة في كونها عمود الخيمة، الذي على قوته تظل الخيمة صامدة أمام رياح الحياة.

*أستاذ زائر بكلية التقنية العليا للبنات، وباحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي.