يستعد ريتشارد جوبرت لزراعة الذرة والقمح وفول الصويا في جنوب ولاية إيلينوي الأميركية. لكن لأسباب تتعلق بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، يشعر هو وزملاؤه المزارعون بالقلق تجاه موسم الزراعة القادم. وعلى الرغم من أن جزءاً بسيطاً فقط من الطعام المستهلَك في الولايات المتحدة يتم استيراده، وقسطاً كبيراً من هذا الغذاء المستورد يأتي من المكسيك وكندا، فإن الآثار المترتبة على الصراع في أوكرانيا سوف تتضافر لتؤدي لزيادة ارتفاع أسعار المواد الغذائية وإبقائها مرتفعةً في العام المقبل، بحسب قول محللين. ولأن روسيا هي المنتج الرئيسي للأسمدة والكيماويات الزراعية الأخرى، فمن المحتمل أن يكون للصراع تأثير على نوعية مزروعات هذا العام في الحقول الأميركية. ويشهد جوبيرت التأثيرات بشكل مباشر. فقد ذكر أن كلفة ما يحتاجه من أسمدة كانت تبلغ 510 دولارات للطن العام الماضي، لكنها هذا العام تبلغ 1508 دولارات. ولا مفر من دفع هذا المبلغ ليحقق الناتج المرجو من محاصيله. صحيح أن سعر الحبوب سيرتفع أيضاً، لكنه يعتقد أن «الأسعار ستصل نقطة لن يستطيع عندها أحد الشراء». 

وذكر جيف فريمان، رئيس جمعية العلامات التجارية الاستهلاكية، أنه حتى قبل الحرب الحالية، ارتفعت كلفة المواد المستخدمة في الإنتاج في القطاعات الرئيسية من صناعة السلع الاستهلاكية المعبأة. فقد ارتفعت أسعار تصنيع المواد الغذائية بنسبة 14.2% منذ فبراير 2021. والسلع التي يجري شحنها للخارج تشهد زيادات في الأسعار بسبب ارتفاع كلفة الوقود، وتشهد مواد البقالة التي تعتمد بشدة على زيوت الطهي أو عبوات الألمنيوم أو الحبوب السلعية، مثل القمح، أسعاراً أعلى وإمدادات أقل بسبب حالة عدم اليقين المرتبطة بالصراع. ويشمل هذا الخبز والمخبوزات والمكرونة والحبوب وغيرها من المواد الأساسية التي تملأ عادةً الأرففَ المحورية في متاجر البقالة. 
ويرى باتريك بينفيلد، أستاذ ممارس في إدارة سلاسل التوريد في كلية ويتمان للإدارة بجامعة سيراكيوز، أن صعوبات كانت متوقعة في الربعين الأولين من عام 2022 بسبب فيروس كورونا، خاصة مع وقوع بعض حوادث المناخ.. لكن أيضاً كان من المتوقع أن تهدأ الأحوال بحلول الربع الثالث وأن تنخفض الضغوط التضخمية.. إلا أن هذا أصبح غير وارد الآن. ويتوقع بنفيلد أن يشهد المستهلكون زيادةً أكبر في أسعار المواد الغذائية الشهر المقبل، ويتوقع تضخماً يزيد على 10% بحلول نهاية العام الجاري. صحيح أن الولايات المتحدة لا تعاني نقصاً في القمح، لكن العرض العالمي منه حالياً هو الأشد شحاً منذ 14 عاماً حتى قبل الحرب الأوكرانية. ويرى ويليام أوسناتو، كبير محللي الأبحاث بمنصة البيانات الزراعية «Gro Intelligence»، أن هذا جعل السوق مهيأً لأن يكون حساساً. وارتفعت العقود الآجلة للقمح بنسبة 29% منذ 25 فبراير، وارتفع سعر الذرة منذئذ بنسبة 15%، وفول الصويا بـ6%. وعشية الموسم الزراعي يستعد المزارعون الأميركيون لتأثيرات أكبر. ولا شك في أن ارتفاع أسعار الوقود وباقي المدخلات الأخرى سيؤثر على نوعيه المزروعات وأسعارها. والنقص العالمي في القمح والذرة والزيوت النباتية سيعني أن تتنافس دول مثل الصين والهند وغيرهما في مزادات يفوز فيها صاحب السعر الأعلى بحسب قول بنفيلد. 
ولا يخشى جيد باور الذي يزرع الذرة وفول الصويا في جنوب غرب ولاية أوهايو ارتفاعَ أسعار المواد الكيميائية التي يحتاجها فحسب، بل يخشى أيضاً إمكانية حدوث نقص فيها. ويخشى باور من تحكم تجار التجزئة في تقديم ما يحتاجه من إمدادات. وإذا لم يتمكن من الحصول على الأسمدة والمواد الكيميائية الأخرى التي يحتاجها، فقد يضطر باور إلى التحول من زراعة الذرة، التي تتطلب كميات أسمدة أكبر، إلى زراعة فول الصويا. وقد يتحول باور من المحاصيل المعدَّلة وراثياً إلى التقنيات القديمة، وكل ذلك يؤثر على أرباحه في النهاية.
ويشير تينجلونج داي، أستاذ الأعمال بجامعة جونز هوبكنز، إلى أن أسعار الوقود المرتفعة لها تأثير نفسي أيضاً على المستهلكين يؤدي إلى ارتفاع بعض الأسعار. ومضى داي يقول: «إن زيادة سعر البنزين على 5 دولارات للجالون سيثني الكثير من الناس عن قيادة السيارات، وسيؤدي ذلك إلى تفاقم مشكلة العمالة. ولن يتمكن تجار التجزئة والمطاعم من العثور على عمال ما لم يدفعوا أجوراً أعلى، وسيتعين عليهم العثور على وسائل لتعويض هذا. الأمر لا يتعلق بالطعام في حد ذاته، بل أيضاً بالأشخاص الذين يضعون الطعام على الرفوف والطاولات». 
ويرى أوسناتو، من منصة البيانات الزراعية «Gro Intelligence»، أن ارتفاع أسعار الوقود يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأخرى أيضاً. فالبرازيل أكبر منتِج ومصدِّر للسكر في العالم، ومع ارتفاع أسعار الوقود قد ترى أنه من الأفضل لها أن تستخدم كميات أكبر من قصب السكر في إنتاج الإيثانول، مما يقلص الإمداد العالمي من السكر ويزيد الأسعار. ومضى أوسناتو يقول إن مصنعي الأغذية والمشروبات يشعرون منذ 18 شهراً بوطأة ارتفاع تكلفة مواد التصنيع. وأعلن كثير منهم بالفعل أن هذه الزيادة ستنتقل إلى المستهلكين من خلال زيادات الأسعار. وأكد أوسناتو أنه لا يوجد أمل في حدوث انفراجة قريباً وأن «الشركات ستواصل تغطية الكلفة بقدر ما تستطيع لمدة عام آخر على الأقل». 
وأشارت صوفيا ميرفي، المديرة التنفيذية لمعهد سياسة الزراعة والتجارة، إلى التركيز الكبير في نظام الغذاء في الولايات المتحدة. فنحو 80% من لحوم الأبقار الأميركية تسيطر عليها أربع شركات فقط، وتبيع وول مارت وحدها أكثر من ربع مواد البقالة، وشركة يونيليفر تمتلك أكثر من 400 علامة تجارية للأغذية. وتؤكد ميرفي أن المستهلكين سيشهدون ارتفاعاً في الأسعار على الفور، حتى ولو تراجعت مشكلات شح الإمدادات لمواد مثل القمح والذرة. ومضت تقول: «الشركات ستطلب من المستهلك تَحمُّل الكلفة. وكل مجلس إدارة في كل الشركات يعمل على حماية مصالح المساهمين، ويتطلع إلى التحوط من المخاطر والتفكير فيما سيتحمله المستهلكون». 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»