المصابيح لم تنطفئ بعد في كل أوروبا، ولكنها أخذت تخفت بالمعنى الحقيقي للكلمة في ظل روسيا. فمع الأزمة الأوكرانية، أخذت أسواق الطاقة تتفكك الآن، مما يزيد من احتمالات ارتفاع الأسعار، ولكن احتمالات حظر حقيقي أيضاً. 
فردّاً على الهجوم الروسي، تخوض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاء آخرون الآن شكلاً متماسكاً وشرساً من الحرب المالية، حيث تم كبح وصول روسيا إلى رؤوس المال وعدد من السلع والخدمات جراء العقوبات الرسمية والمعاقبة الذاتية من قبل الشركات الأجنبية. 
ويشمل هذا صادرات الطاقة التي تُعد شريان الحياة الاقتصادي بالنسبة لروسيا. ونتيجة لذلك، فإن ملايين البراميل من النفط الروسي مخفض السعر لا يستطيع إيجاد مشترين. وشركات نفط غربية كبرى (مثل «بريتيش بتروليوم» و«إكسون موبل») أخذت تنسحب من استثمارات بعدة مليارات دولار في البلاد. والواقع أن الاضطراب والارتباك واضحان، إذ ارتفع خام برنت إلى 135 دولاراً للبرميل في وقت من الأوقات خلال نهاية الأسبوع، في وقت انفجر فيه تخفيض سعر خام الأورال. 
وبالنسبة للكثيرين منا، فإن أقرب حالة مشابهة هي الحظر الذي فرض على النفط القادم من العراق والكويت بعد احتلالها في 1990، ما أدى إلى تضاعف أسعار الجازولين تقريباً في ظرف بضعة أسابيع. غير أن تلك الأحداث كانت قصيرة نسبياً وحدثت في وقت كانت فيه مخزونات النفط مرتفعة وكانت السعودية مستعدة لتعويض النقص. أما في الحالة التي بين أيدينا، فإن روسيا تُعد مصدِّراً أكبر للنفط والغاز (إضافة إلى المعادن والفحم والحبوب). ويبدو أن السعودية وبقية أعضاء مجموعة أوبيك + تؤْثر مواجهة خطر اضطرابات اقتصادية عالمية على خيانة شريكها في موسكو.
وأحد الاختلافات الكبيرة يتعلق بالوقت. فهجوم روسيا على أوكرانيا يمثّل حرباً أوسع على النظام الدولي من قبل قوة نووية تمتد على قارتين. وربما وجّه ضربة قاتلة لتجارة الطاقة مع أوروبا، التي تحملت الحرب الباردة، وفوضى ما بعد الاتحاد السوفييتي، والخلافات السابقة مع الرئيس فلاديمير بوتين. وفي وقت لاحق من هذا الأسبوع، ستناقش قمة أوروبية مقترحات طموحة جداً لقطع العلاقة تماماً – وروسيا تهدد بالقيام بذلك أولاً. وهذا ليس عابراً، كما يقولون. 
يضاف إلى هذا ضرورة تخليص البلدان لأنظمتها في مجال الطاقة من الكربون رداًّ على تغير المناخ. والواقع أن لدى الاتحاد الأوروبي أصلاً أهدافاً صفرية تعني ضمنياً خفضاً حاداً في واردات الطاقة الروسية مع مرور الوقت. ولكن الهجوم على أوكرانيا يغيّر الأولويات. وعلى سبيل المثال، فإن الطاقة المستخرجة من الفحم ربما ستعود في المستقبل القريب للمساعدة على تعويض واردات الغاز الباهظة أو الغائبة. غير أن أي شخص يعتقد أن هذا يعني نهاية طموحات الاتحاد الأوروبي المناخية، ربما غير واعٍ بأن هناك حرباً مشتعلة. ثم إن ضرورات اليوم، وإن كانت تتطلب بعض التنازلات بخصوص الانبعاثات، تضيف أيضاً بُعداً أمنياً ملحاً يقوّي الزخم الأخضر. إذ بات من غير الواقعي، بكل بساطة، ربط مصير أوروبا بصادرات الطاقة الروسية بعد الآن. 
والواقع أنه من بعض الجوانب، يُعد ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري وتقلبها نعمةً بالنسبة لبدائل مثل الطاقة المتجددة. غير أن اضطرابات اليوم تُنذر أيضاً بمشاكل للتكنولوجيا النظيفة. 
فنظام الطاقة برمته يُعد نتاج عصر عولمة بدأ في نهاية الحرب العالمية الثانية ثم توسّع في نهاية الحرب الباردة. وقد سمح تنويع سلاسل إمداد النفط والغاز، الذي ربط حتى الخصوم، بالإبقاء على الأسعار مستقرة ومتاحة معظم الوقت. كما أدت عمليات نقل التكنولوجيا وقوة الصناعة الصينية، إضافة إلى الإعانات في بلدان أخرى، إلى انخفاض كبير في التكاليف بالنسبة لأشياء مثل الطاقة المتجددة والبطاريات. 
حسناً، ربما ينبغي أن نقول وداعاً لكل ذلك الآن. فقبل سنوات على الهجوم الروسي، تعرضت العولمة بشكل عام وبخاصة في أسواق الطاقة للهجوم. فأجندة «الهيمنة في الطاقة» التي تبناها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ربطت بوضوح صادرات النفط والغاز الأميركية بالنفوذ الجيوسياسي. وكانت الطاقة بكل أنواعها حاضرة بوضوح في حربه التجارية مع الصين. وقد لا يكون الرئيس جو بايدن من مناصري حرية استخراج النفط الصخري، ولكن الأكيد أنه عرض سياسته الصناعية الخضراء كسلاح في تلك المواجهة نفسها. ومن جانبها، سعت الصين جاهدة إلى تبوؤ مكانة متقدمة في مجالات مختلفة من التكنولوجيا الخضراء، وبعين حذرة على ما يجري في أوكرانيا، تحذِّر من إنشاء نسخة من الناتو في المحيط الهادئ. وفي الأثناء، تحدّث وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابك، في تصريحات لوكالة «رويترز» نهاية هذا الأسبوع حول صندوق بقيمة 200 مليار يورو للتحول الصناعي، عن «الحاجة للاستثمار في سيادتنا بمجال الطاقة». 
والواقع أن روسيا كانت مرشحة دائماً لأن تخسر أكثر من معظم البلدان الأخرى في حال أصبحت رسوم الكربون شائعة. وهذا كان قبل أن تمنح الغربَ سبباً إضافياً لعزلها. غير أن الرسوم تُعد أسلحة دمار متبادل، على غرار العقوبات. ذلك أن حظر النفط والغاز الروسيين، سواء بشكل رسمي أو غير رسمي، سيؤدي بوضوح إلى تضخم في تكاليف الطاقة، مثلما ستخبرك أي شاشة بورصة اليوم. وما عليك إلا النظر إلى ما حدث للنيكل، وهو مكوّن أساسي في تكنولوجيات العديد من البطاريات، والتي تُعد روسيا مورداً رئيسياً له. صحيح أنها أزمة قصيرة، ولكنها تحدث لسبب. 
ولعل أحد الدروس التي أعيد استخلاصها العام الماضي، هو أن ارتفاع الطلب إلى جانب اضطراب العرض يؤديان إلى شيء لن يتذكّره أي شخص دون سن الثلاثين: إنه التضخم. فنحن في لحظة تقترح فيها الحكومات إعادة بناء اقتصاداتها بشكل جذري لمعالجة تغير المناخ – حتى في وقت تتفكك فيه التجارة الدولية في سلع الطاقة والتكنولوجيا. ولكن في الطريق نحو التحول، سقطنا بطريقة ما في تجزيء الطاقة.
ليام دينينج

كاتب متخصص في شؤون الطاقة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»