«جفاف» المغرب.. وفاتورة النفط
بعد ركود اقتصادي جراء بتداعيات جائحة «كورونا» في العامين الماضيين، يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المغربية بنحو 3% خلال السنوات القليلة المقبلة، داعياً الحكومة المغربية إلى «التركيز على سياسة مالية متوسطة الأجل، موثوق بها، ومدعومة بإصلاح شامل للنظام الضريبي، ومراجعة منهجية للإنفاق الحكومي». ويقترب هذا التوقع من المعدل الوارد في موازنة المملكة للعام الحالي والبالغ 3.2%، مع العلم أنها (أي الموازنة) تحمل عجزاً مالياً يبلغ 6.5 مليار دولار، بزيادة 33.37% مقارنةً بموازنة العام الماضي، وستتم تغطيته بقروض داخلية من المصارف وخارجية من الأسواق المالية ومؤسسات التمويل الدولية. ويعد المغرب من أكثر الدول تعاوناً مع صندوق النقد واستفادةً من قروضه، حيث حصل خلال الفترة (2012–2021) على خمسة قروض قيمتها نحو21 مليار دولار، كان آخرها قرض بقيمة 3.2 مليار دولار لمواجهة جائحة كورونا.
ورغم التأثير السلبي لتداعيات الجائحة، فقد استطاعت المملكة تحقيق التقدم نحو المركز 53 عالمياً في مؤشر «ممارسة الأعمال» الصادر عن البنك الدولي، والمركز الثالث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد الإمارات والبحرين. وتتطلع لدخول قائمة أفضل 50 اقتصاداً عالمياً، استناداً إلى سعيها المتواصل لتعزيز مناخ الاستثمار في إطار مهمة «صندوق محمد السادس للاستثمار» الذي يهدف إلى النهوض بقدرات الاقتصاد عبر دعم القطاعات الإنتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى في استثمار مشترك بين القطاعين العام والخاص.
والمغرب كبلد يعتمد على الزراعة، يخضع نمو اقتصاده دائماً للتقلبات المناخية التي تتحكم بالإنتاج الزراعي الذي يسهم بنحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل فيه أكثر من أربعة ملايين موظف ومزارع. وقد وصفت منظمة «الفاو» المغرب بأنه من الدول العربية والأفريقية المكتفية ذاتياً من معظم المنتجات الغذائية، والمصدر الأول للأسماك في أفريقيا محتلا المرتبة 17عالمياً بإنتاجه 1.3 مليون طن من مختلف الأنواع.
وكان المغرب يراهن على بلوغ التساقطات المطرية معدلات تمكن من إنتاج 70 مليون قنطار حبوب، لكنه هذا العام تعرض لجفاف لم يشهده منذ ثلاثين عاماً، حيث قلَّت الأمطار بنسبة 64% عن المتوسط، حتى إن خزانات المياه الجوفية تكاد تنضب في بعض المناطق، وبلغت نسبة ملء السدود 33.2% فقط مقابل 48.5% العام الماضي. ولمواجهة هذه الكارثة خصصت الحكومة برنامجاً بقيمة مليار دولار للتخفيف من حدة الأضرار ومساعدة المزارعين، الأمر الذي سيؤثر على المالية العامة ويزيد من عجز الموازنة.
أما الحدث الثاني الذي سينعكس بتداعيات سلبية فهو ارتفاع فاتورة استيراد الطاقة من النفط الخام والمحروقات المختلفة، نتيجة ارتفاع سعر برميل النفط في الأسواق العالمية إلى نحو 140 دولاراً للبرميل، بسبب تطورات الحرب الأوكرانية، وما يرافقها من عقوبات اقتصادية دولية، مع العلم أن أسعار عقود مايو ويونيو المقبلين لامست 200 دولار للبرميل. وإذا كانت فاتورة العام الماضي قد بلغت 76 مليار درهم (7.8 مليار دولار) بزيادة 51.6% عن عام 2020، وكان سعر برميل النفط أقل من 90 دولاراً، فإن فاتورة العام الحالي ينتظر أن تكون مضاعفة، وقد تزيد عن 15 مليار دولار، الأمر الذي يضاعف عجز الموازنة، ويتطلب السعي للحصول على مزيد من القروض الداخلية والخارجية لسد هذا العجز، مما سيؤدي إلى تفاقم الديون، إضافة إلى تداعيات ارتفاع عجز الميزان التجاري، وعجز ميزان المدفوعات.
كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية