زراعة الأعضاء الحيوانية: المعضلات الطبية والأخلاقية
بداية يناير الماضي، نجح علماء جامعة ميريلاند بالولايات المتحدة، في تحقيق اختراق طبي فريد من نوعه، تجسد في زراعة قلب خنزير في صدر إنسان لأول مرة في التاريخ، وهو النجاح الذي حمل في طياته عدداً من المعضلات الطبية والأخلاقية.
فرغم أن هذا الأسلوب يمكن أن يصبح حلاً جذرياً لمشكلة النقص المزمن في المتوفر من الأعضاء البشرية الصالحة للنقل والزراعة، وهو ما يؤدي إلى وفاة الكثيرين من المحتاجين لمثل هذه الجراحات وهم على قوائم الانتظار، إلا أن هذا الأسلوب يحمل في جنباته خطراً كبيراً على المريض. فحتى في الحالات التي يتم فيها استخدام أعضاء بشرية للنقل والزراعة، من متبرعين متوافقين وراثياً وجينياً لحد كبير مع المريض، يظل احتمال رفض الجسم للعضو المزروع قائماً، وهو الاحتمال الذي يزداد بدرجة كبيرة مع الأعضاء الحيوانية.
ولذا يرى المتخصصون أن هذا الخيار، لا يجب أن يطرح حالياً، إلا على المرضى الذين لا تتوفر لهم بدائل أخرى، وسيلقون حتفهم حتماً إذا لم يتلقوا العضو الحيواني. ولكن ماذا إذا رفض المريض تلقي عضو حيواني جاهز للزراعة، هل يجب أن يفقد أو يتراجع دوره على قوائم الانتظار للأعضاء البشرية؟ هذا السؤال لم تتم الإجابة عليه حتى الآن. المعضلة الأخرى التي يثيرها هذا الأسلوب، تتعلق بحقوق الحيوانات، وهي الحقوق التي تعالت أصوات المدافعين عنها بعد الجراحة الأخيرة. انطلاقاً من أن هذه الخنازير يتم تعديلها وراثياً كأجنة، لتربى في بيئة معقمة، ثم تذبح لحصد أعضائها.
وما يخشاه هؤلاء أن الموافقة على تعديل الحيوانات وراثياً في المعامل، قد يمتد للحيوانات التي تستخدم كغذاء للبشر، حيث يمكن لهذه التعديلات أن تزيد من ناتج اللحوم ومن أرباح المربين، ولكنها قد تتسبب في أمراض وآلام للحيوان طيلة حياته، إلى حين ذبحه. ويرى هؤلاء أن في ذلك انتهاكاً لمبدأ الرفق بالحيوان، والذي بخلاف جذوره الإنسانية، أكدت عليه الكثير من النصوص الدينية. وعلى الصعيد الديني، وبالتحديد لأتباع الديانة اليهودية والمسلمين، تؤكد النصوص الدينية تحريم أكل لحم الخنزير، وعلى استخدام أي من منتجاته لأي غرض كان. ولكن في كلتا الديانتين، صدرت الفتاوى التي تجيز استخدام أجزاء الخنزير لإنقاذ حياة المرضى، بناء على أن حفظ الحياة مقدم على أي شيء آخر.
وبالفعل، يتم منذ سنوات استخدام صمامات قلوب الخنازير، لاستبدال صمامات قلوب البشر المعطوبة. وفي هذا الشأن بالتحديد، أصدرت سابقاً دار الإفتاء المصرية، فتوى مفادها أنه إذا ما كان هناك خوف على حياة المريض، أو فقدانه لأحد أعضائه، أو تفاقم مضاعفات مرضه، ومن ثم تدهور حالته الصحية، فيجوز حينها استخدام صمامات قلب الخنزير، عملاً بمبدأ أن الضرورات تبيح المحظورات.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية والصحية