مع تفاقم الأزمة بشأن أوكرانيا، هناك عدد قليل من قادة الاتحاد الأوروبي على قائمة المكالمات الرسمية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في الأسبوع الماضي، اتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقبل ذلك بأسابيع اتصل المستشار الألماني أولاف شولتز. وهناك أيضاً الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو، الذي أصبح بعد 10 سنوات في منصبه، أحد أقرب قادة الاتحاد الأوروبي لبوتين، وهو قناة سرية هادئة لإبلاغ الرسائل الغربية إلى الكريملين.

وفي مقابلة مع نينيستو بالفيديو من مكتبه في هلسنكي، قال: «أعتقد أنه من الأفضل دائماً التحدث بدلاً من التزام الصمت، خاصة عندما تكون لديك مشاكل أو صراعات». وقبل أيام قليلة من مكالمته الأخيرة مع بوتين، في 21 يناير، تحدث نينيستو مع الرئيس جو بايدن، بناءً على طلب البيت الأبيض.

وكانت هذه هي المرة الثانية التي يتحدث فيها إلى كلا الزعيمين في غضون ما يزيد قليلاً على شهر. بعد تقاعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل العام الماضي، لم يكن أي زعيم أوروبي آخر على علاقة طويلة الأمد مع بوتين أكثر من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، إذ امتدت علاقة الزعيمين على مدار العقد الماضي، حيث كان كلاهما في المنصب.

وحول كيفية التعامل التي يفضلها بوتين، قال نينيستو إنه لا يمكنه الرد إلا كما رد على الرئيس دونالد ترامب خلال زيارة لهلسنكي عام 2018. وأضاف: «أثناء جلوسي في هذه القاعة، قلت لترامب إن بوتين مقاتل. إنه يقاتل بشدة، لكنه يتفهم أن الرد صعب للغاية، إنه سيحترمك إذا أظهرت له الاحترام». وقال الرئيس الفنلندي إنه من الصعب تقدير كيف سيتطور الوضع الحالي. «المخاطر تتزايد، ومع ذلك على جميع الأطراف إعطاء فرصة للدبلوماسية».

تشعر فنلندا بالتوتر الشديد، حيث تتقاسم حدوداً تمتد على طول 830 ميلاً مع روسيا، ولها تاريخ صعب مع جارتها الشرقية، بما في ذلك التعرض للغزو من قبل القوات السوفييتية خلال الأشهر الأولى من الحرب العالمية الثانية. ومؤخراً، قالت فنلندا إنها عززت استعدادها العسكري. وكان من بين مطالب موسكو لحلف «الناتو» ألا يكون هناك توسع للحلف نحو الشرق.

ومعلوم أن فنلندا تحافظ على علاقة وثيقة مع «الناتو» وقد ساعدت في العمليات التي يقودها في أماكن مثل البلقان وأفغانستان والعراق. ويعتقد نينيستو أن موسكو كانت تعلم أن «الناتو» لن يوافق أبداً على فرض قيود على توسعه المحتمل. وقال، على الأقل عندما يتعلق الأمر بخيار انضمام فنلندا «من البديهي أن نقرر أنفسنا فقط، ومن البديهي أن الناتو لن يغلق الأبواب». في الأسبوع الماضي، قالت الولايات المتحدة والناتو إنهما لن يساوما على سياسة الباب المفتوح للتحالف، ورفضا طلباً روسياً بمنع أوكرانيا من الانضمام. لا توجد مؤشرات من فنلندا على أنها ستسعى بجدية للحصول على عضوية الناتو في أي وقت. لكن الأزمة الحالية جددت الجدلَ حول هذه القضية في فنلندا. ويؤيد 28% من الفنلنديين العضويةَ الآن، وفقاً لاستطلاع اتش إس-جالوب. لكن 42% من الفنلنديين ما زالوا معارضين للعضوية، وفقاً للاستطلاع الأخير.

ومع ذلك، إذا أرادت فنلندا الحصول على عضوية في الناتو، فستحتاج إلى أن تقررها أغلبية البرلمان، كما قال الرئيس، في حين أن الاستفتاء غير الملزم سيكون الطريقة الأكثر شرعية لقياس رأي السكان. من ناحية أخرى، قال نينيستو إنه لا يستطيع الكشف عن تفاصيل مكالماته المنفصلة مع بايدن وبوتين، لكنه «أجرى نقاشاً طويلا» مع الرئيس الروسي في 21 يناير «تناول فقط التوترات الحالية». وأثناء المكالمة، أثار بوتين قضية اتفاقية مينسك، وهي اتفاقية أبرمت عام 2015، وتهدف إلى إنهاء الصراع بين القوات الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق البلاد.

وتتهم روسيا وأوكرانيا بعضهما البعض بخرق اتفاق مينسك الذي فشل في إنهاء الحرب. واحتدم الصراع في أوكرانيا منذ عام 2014، بعد وقت قصير من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. ويرى نينيستو أن اتفاق مينسك يمكن أن يكون «مركز المشاكل ذاته الآن» وأن التقدم في معالجة المأزق «سيأخذنا إلى الأمام بطريقة إيجابية». في الأسابيع الأخيرة، كافح الاتحاد الأوروبي لصياغة موقف موحد بشأن كيفية التصرف في مواجهة رد الفعل الروسي عندما يتعلق الأمر بالعقوبات المحتملة وتسليم الأسلحة.

وبرزت ألمانيا بموقف غريب، مع إحجام أولي عن استخدام مشروعها لخط الغاز («نورد ستريم 2») كأداة ضغط. ويربط خط الأنابيب، الذي تم الانتهاء منه ولكن لم يتم تشغيله، بين روسيا وألمانيا وسيعمل على توسيع صادرات الغاز الروسية بشكل كبير عبر طريق شمالي يتجاوز أوكرانيا. وقال نينيستو إنه لا يستطيع التحدث عن نوايا بوتين، لكنه استشهد بـ«الحكمة الفنلندية» بشأن تجارب التعامل مع موسكو. وقال: «تعلّم الفنلنديون بالتأكيد الحكمة القائلة بأن الجندي الروسي يأخذ كلّ ما هو سائب»، وهو أمر يجب أن يوضع في الاعتبار دائماً.

مدير مكتب صحيفة «واشنطن بوست» في برلين.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»