ربما نتيجة لبعض الصيغ الدبلوماسية التي تحفظ ماء الوجه، فإن إدارة بايدن تستحق الإقرار لها بكامل الفضل في براعة إدارة الأزمة.

فقد حشدت حلفاءنا الأوروبيين في صف واحد وأجهضت العمليات السرية الروسية بتسريب معلوماتها لوسائل الإعلام. كما وسّعت الوجود العسكري الأميركي في دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» على خط المواجهة، وسعت للعثور على وسائل لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي المسال.

ورفضت التفاوض على حساب مصالح أوكرانيا وهددت بفرض عقوبات مؤثرة على موسكو. وحتى إذا لم تتراجع الأخيرة، فإن خطوات بايدن كانت الشيء الصحيح والضروري، وإن لم يكن كافياً. وفي كلتا الحالتين، يجب أن تمثل الأزمة مادة تعليمية لما يسمى «عالم ما بعد السلام الأميركي».

وهذا العالم المتخيل لا يتم فيه استدعاء القوة الأميركية دوماً لمعالجة أزمات في مناطق بعيدة أو طمأنة الحلفاء القلقين. وفي هذا العالم تستبدل الولايات المتحدة طموحاً أكثر تواضعاً وأسهل منالاً وإنسانيةً لدولة عادية مكان تحمل أعباء كونها قوة عظمى.

كما يتقلص جيشنا إلى حجم مناسب للدفاع الوطني وليس للحماية العالمية. وننفق مدخراتنا على إصلاح الهوامش البالية من المجتمع. ويتوقف حلفاؤنا عن الاحتماء مجاناً بضماناتنا الأمنية ويبدؤون في إنفاق المزيد على الدفاع عن أنفسهم. وتصبح سياستنا الخارجية أقل غطرسةً وأكثر تعاونيةً. وننزع عن أنفسنا وهْمَ أنه بمقدورنا أو يجب علينا حل مشكلات الآخرين.

وتتغير سياساتنا الاقتصادية للتكيف مع عالم أقل عولمةً. وبدلاً من الاعتماد على الصين في التصنيع والعمالة منخفضة التكلفة، نستثمر من جديد في العمال الأميركيين والمصانع الأميركية ونعتمد على أنفسنا في كل شيء من الطاقة إلى شرائح الكمبيوتر الدقيقة. إنه تصور مغر، وزواج بين اليسار واليمين، بين عبارة السناتور والمرشح الرئاسي «الديمقراطي» السابق جورج ماكجفرن «عودي إلى الوطن، أميركا»، وشعار الرئيس الأميركي «الجمهوري» السابق دونالد ترامب «أميركا أولاً».

لقد تم التفكير في هذا التصور أيضاً من قبل. فقد شارك بوب لا فوليت الابن، السناتور التقدمي من ولاية ويسكونسن، والأب تشارلز كوجلين، المضيف الإذاعي المعادي للسامية، الأفكارَ نفسَها في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية. وحظيت أفكارهما بقبول واسع لدى الجمهور حتى السادس من ديسمبر 1941. ما الخطأ في هذه الأفكار؟

بالنسبة للمبتدئين، النظام العالمي ليس ظاهرةً ذاتيةَ التوليد. ففي ظل غياب السلام الأميركي، هل تستطيع الأمم المتحدة فرض النظام في الطرق الملاحية، مثل حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، والتي يمر منها نحو ثلث حركة المرور التجارية في العالم؟

ماذا عن التحالفات الإقليمية، مثل الاتحاد الأوروبي أو رابطة دول جنوب شرق آسيا؟ لا تعتمد عليها في ذلك. ولهذا بعض التأثيرات غير المباشرة الواضحة. إنها ستمثل إغراءً بتبني سلوك تنمري، تحديداً من النوع الذي نشهده على حدود أوكرانيا ونرى أيضاً علاماته على مضيق تايوان. ونادراً ما يشبع السلوك التنمري. 

وهناك نتيجة أخرى واضحة وهي أنه لن يكون هناك عائد للسلام في عالم ما بعد السلام الأميركي. على عكس الشائع، تنفق الولايات المتحدة اليوم قدراً قليلاً تاريخياً على الدفاع، أي حوالي 3.7% من الإنتاج المحلي الإجمالي، مقارنةً بأكثر من 5% في العام الأخير من إدارة كارتر.

لكن الإنفاق العسكري يجب أن يعود إلى مستويات الحرب الباردة التي كانت فيها المصالح الأميركية المحورية مهددةً باستمرار من قوى معادية. وسنجد أنفسنا أيضاً في حيرة من أمرنا وخائفين من سلوك حلفائنا التقليديين. وبدلا من وجود دول تعتمد علينا مجاناً، سندخل عالماً من العاملين لحسابهم الخاص وبلدان تسعى بقوة لتحقيق مصالحها، بغض النظر عن الرغبات الأميركية أو الأعراف الراسخة.

وبدون ضمانات الحماية الأميركية، ما الذي قد يمنع الحكومة اليابانية في المستقبل من نشر ترسانة نووية ضخمة بسرعة كرد فعل على الصين؟ ولماذا لا تصبح تركيا نووية أيضاً، وخاصة إذا انتهى الأمر بإيران بأن تمتلك قنبلةً؟ والعالم الذي تمتلك فيه عدة مناطق قابلة للاشتعال قوى نوويةً متعددةً في تشكيلات مختلفة من التحالف والعداء، هو وصفة لسوء التقدير والحوادث والمآسي.

كما أنه ليس تركيبة لتحقيق الرخاء. وفكرة أنه يجب على الولايات المتحدة أن تطمح إلى نوع من الانكفاء على الذات هي فكرة منفصلة عن أي واقع اقتصادي متصور. وفي عالم ما بعد السلام الأميركي، سيتعين علينا ببساطة الاعتماد على تدفقات التجارة الواقعة تحت رحمة قوى معادية وأحداث غير متوقعة. والأخطر من ذلك، أن عالم ما بعد السلام الأميركي ستذبل فيه الديمقراطية الليبرالية. وهذا يحدث بالفعل في الخارج، من بودابست إلى أنقرة إلى مكسيكو سيتي. فلماذا لا يحدث هذا هنا أيضاً؟

*صحفي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/02/15/opinion/ukraine-war-biden.html