حين تعرّض الطفل المغربي ريان، الذي لم يتجاوز خمس سنوات من عمره، لحدوث سقوط في قاع بئر مهجورة في قريته، يوم الأول من فبراير الجاري، تابع العالَمُ فصولَ مأساته وحبس الناسُ أنفاسَهم ترقباً لمصير الطفل الغض البريء، والذي أطارت محنتُه النومَ من عيون ملايين الأشخاص حول العالم ولعِدةَ أيام.

وقد أهتمت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي على اختلافها، وبشكل موسع جداً، بمتابعة حالة الطفل ريان تحت الأرض، وجهود فرق الإنقاذ التي تحاول إخراجه. وبدا التعاطف بشكل واضح وواسع ومؤثر، ورُفعت الأكف بالدعاء إلى الله تعالى أن ينجيه ويعيده سالماً معافى إلى والديه، وأصبح حديث الشارع العربي كله بشكل مثير ولافت للانتباه في كل بيت وشارع. لقد تعاطف العالمُ العربيُّ كلُّه مع الطفل ريان ووقف على أعصابه تضامناً مع حالته.

واستنفرت الدولة المغربية كل إمكاناتها لإنقاذه، وعبأت المعدات والآليات، الحديثة منها والتقليدية، لحفر بئر كبيرة بجانب البئر القديمة، واستغرق ذلك أياماً متواصلة من العمل الشاق بغيةً إنقاذ الطفل من محنته التي تابعها الجميع بأنفاس مكتومة.

والسؤال المطروح : ماذا يمكن أن نتعلم من أساليب إدارة الأزمات في حالات دقيقة مثل حالة الطفل ريان؟

ولماذا لم نر جهات عديدة في العالم تتقدم بخطة أو فكرة لإنقاذ الطفل المغربي وهو عالق في تلك الحفرة العميقة ولعدة أيام تحت الأرض، خصوصاً أن محنته تزامنت مع مناسبة اليوم العالمي للإنسانية؟!

الكثيرون يتساءلون: لو أن الذي وقع في البئر حيوان من الحيوانات المهددة بالانقراض، هل كان نشطاء البيئة ومنظمات الرفق بالحيوان، ليبقوا جميعاً صامتين بلا حراك ولا ومبادرات لإخراجه سالماً من تحت الأرض؟

لقد أوضحت مأساة الطفل ريان، مرة أخرى، أن العرب يستهلكون الإشاعة والأخبار الكاذبة.. لذلك نرى أن بعض المواقع العربية لم تتردد في فبركة بعض الأخبار الكاذبة والمعلومات المشوشة حول حالة ريان ووضعه تحت الأرض وحول جهود إنقاذه ومراحلها. لقد واكبت هذه المواقعُ المأساةَ بكثير من الأخبار المتناقضة والمعلومات المتضاربة، مما شكل تشويشاً أضر بعملية الإنقاذ كما أضر بأعصاب الجمهور وأربكه.

أما الضرر الأكبر جراء التغطية الإعلامية غير المهنية فلعله كان من نصيب عائلة الطفل وهي على ذلك الحال من القلق والإجهاد والترقب على مدار الدقيقة. إننا شعوب تتحدث أكثر مما تعمل، وتهوّل أكثر مما تنتج.. كما أكدت فصولُ مأساة الطفل ريان وحتى وفاته. لابد أن يكون ما حدث عبرة ودرساً فيما يتعلق بأدوات ومهارات وكفاءات أنشطة الدفاع المدني العربية، لكي تكون أكثر كفاءةً في معالجة مثل هذه الحالات مستقبلاً، إذ ليس لعاقل أن يأمن الأيام، والتي كثيراً ما فاجأتنا بأحداث يقف أمامها العرب عاجزين عن فعل المطلوب والمتوقع!

*كاتب سعودي