انتخاب دولة الإمارات للعضوية غير الدائمة في أعلى هيئة دولية معنية بحفظ السلم والأمن الدوليين، يُعد تصويتاً بالثقة من المجتمع الدولي في قدرة الدبلوماسية الإماراتية، على أن تكون رقماً فاعلاً ومؤثراً في تحقيق أهداف مجلس الأمن في هذه الحقبة التاريخية التي تشهد تحولات استراتيجية متسارعة.

وهذه الثقة الدولية تبدو موضع تقدير إماراتي بالغ، فالإمارات لديها طموحات تنافسية عالمية ممتدة، ولا تتوقف تطلعاتها عند حدود معينة، لذا فهي تتمسك بالفرص التي تتاح لها وتحرص على مراكمة النجاح والثقة في نموذجها المستدام، وهذا الأمر يعني قطعاً أن الدبلوماسية الإماراتية تتعاطى مع مسألة العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن باهتمام غير اعتيادي، وتتحرك بما يتوائم مع التوقعات المرتقبة من دورها وتأثيرها الدولي، لذا ليس غريباً أن تكون أولى التعبيرات عن هذه المهمة أنها بمثابة مسؤولية كبرى، بما يعكس إدراكاً واعياً لحجم التحديات العالمية، وما تتطلبه من جهود تعاونية من أجل ترسيخ السلام والتعاون والتنمية، واثبات حضور إماراتي فاعل وإسهام قوي في معالجة الأزمات الدولية.

هناك عوامل وأسس إماراتية يمكن البناء عليها في رسم توقعات ايجابية للغاية بشأن دور الإمارات خلال عامي العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي، وفي مقدمة ذلك تأتي السمات الأصيلة في الدبلوماسية الإماراتية، وفي مقدمتها الديناميكة والمرونة والفاعلية، حيث يتفق المراقبون والمتخصصون على أن الدبلوماسية الإماراتية قد استطاعت أن تحقق أهداف الدولة في الخارج، وضمنت لها حضوراً مؤثراً من خلال المشاركة في القمم والاجتماعات الدولية الكبرى، كما نجحت في توظيف ثقل ومكانة الإمارات كقوة صاعدة تنموياً واقتصادياً وتكنولوجياً من أجل لعب دور حيوي في ترسيخ أسس الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، حيث أظهرت الدبلوماسية الإماراتية قدرة كبيرة في التعامل مع أزمات المنطقة، والعمل على احتواء تداعياتها السلبية على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وهو ما رسخ مكانة الإمارات ضمن حسابات العواصم الدولية الكبرى، حيث تحرص القوى الكبرى على التعرف على رؤى الإمارات ومواقفها المتوازنة تجاه مختلف القضايا، والاستفادة منها في معرفة وتقييم تطورات الأوضاع في المنطقة.

لا شك أن بناء علاقات قوية ومتوازنة مع مختلف دول العالم وتوسيع خيارات الدولة ومجالات حركتها، دون التركيز والاهتمام بمنطقة دون أخرى، كل ذلك أنتج علاقات إماراتية قوية وفاعلة مع جميع دول العالم، بما يعزز قدرتها وفاعليتها في مجلس الأمن الدولي وغيره من مؤسسات العمل الجماعي الدولي المشترك، ويضاعف من أهمية ذلك أن التحركات الخارجية وتوسيع شبكة العلاقات الإماراتية يلتزم دوماً بمبادئ السياسة الخارجية للدولة والثوابت التي سارت عليها منذ إنشاء الدولة الاتحادية، وهي المبادئ التي تعكس رسالة مهمة، مفادها أن الإمارات وهي تتفاعل بقوة مع متغيرات العصر وتجاري تطوراته بفاعلية على المستويات كافة لديها ثوابتها التي لا تحيد عنها، وتحرص على أن تكون تحركاتها وتفاعلاتها الخارجية كلها في إطارها، وهذا من سمات الدول راسخة الأركان المؤمنة بمبادئها والواثقة بنفسها وبتوجهاتها.

على قدر الثقة الدولية التي انعكست في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لمصلحة اختيار دولة الامارات للعضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي، يمكن القطع بكفاءة الدبلوماسية الاماراتية وقدرتها على أن تكون قيمة نوعية مضافة للعمل التشاركي الدولي، بحكم قدرة الدبلوماسية الإماراتية على بناء جسور التفاهم والتعاون مع دول العالم كافة، والانخراط الفاعل في أي جهد إقليمي أو دولي من شأنه أن يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في العالم ومواجهة مصادر الخطر التي تتهدّده وأسبابه على المستويات كافة، من أجل توجيه الاهتمام إلى مجالات التنمية التي تصبّ في مصلحة الشعوب وتقدّمها ورفاهيتها.

فالإمارات تضطلع بدور إقليمي مؤثر في بناء السلام وترسيخ الأمن والاستقرار، من خلال أدوات عدة منها المساعدات الإنسانية والإغاثية، التي جعلت من الإمارات عاصمة إنسانية للعالم، فضلاً عن كونها عاصمة للمستقبل وقاطرة له، بما لها من دور إقليمي ودولي مؤثر في صناعة السلام وتحقيق الأمن والسلم الدوليين، من خلال جهود متكاملة على الصعد السياسية والإنسانية والأمنية، وبناء النموذج التنموي الملهم الذي يجذب الأجيال الجديدة نحو البناء والتنمية بعيداً عن التطرف والارهاب والعنف، وكذلك عبر طرح رؤية واعية للاستعداد للمستقبل والدعوة لوضع أسسه ودعائمه، انطلاقاً من وعي إماراتي عميق بحجم التحديات التي تواجه العالم، والمسؤوليات المترتبة على العضوية، والأهم أن الدولة راغبة بقوة في مواصلة العمل مع كافة الشركاء لتحقيق رؤيتنا المشتركة بخلق عالم يتمتع بالسلام والازدهار وقادر على مواجهة التحديات.

* إعلامي وكاتب إماراتي