بعد حدوث صدمة اقتصادية كبيرة، يدفع حدس غريزيٌ الناسَ غالباً إلى الابتعاد عن المخاطرة. ويعني هذا عادة أن تتبنّى الحكومةُ سياساتٍ تقبل المخاطرةَ نيابةً عن الأفراد. فقد أعقب الكسادَ الكبيرَ برنامج «الصفقة الجديدة». كما أسفر الركود الكبير عن قانون الرعاية الصحية الميسرة. ولا غرابة في أن يتبع جائحةَ كورونا برنامج «إعادة البناء الأفضل» الذي استهدف تعزيز برامج الرعاية الاجتماعية بشكل أكبر. ومستقبل مشروع القانون غير مؤكد، لكن بغض النظر عما سيحل محله، فمن الخطأ المضي قدماً في إبعاد المخاطر عن حياة الأميركيين في هذه المرحلة. وكان لتقليص المخاطر قيمة في الماضي، لكننا اليوم نمر بلحظة حرجة يؤدي فيها المزيد من تقليص المخاطر إلى أضرار. وبدلاً من طرح المجازفة من الاقتصاد، يتعيّن علينا إضافة المزيد من المخاطر إليه، خاصةً عند ذوي الدخل المنخفض والطبقة الوسطى. 
وقد يبدو هذا جنوناً بعد عامين من الكثير من عدم اليقين، لكن الافتقار إلى المخاطرة هو خطأ في الاقتصاد حالياً. والفكرة المركزية في التمويل تتمثل في أن لا مكافأةَ من دون مخاطرة، وهذا يصح خارج الأسواق المالية أيضاً. وحدث تراجع ملحوظ في المخاطرة على مدى سنوات، فالقيام بعمل استثماري أصبح أقل وتغيير الوظائف والحراك وعدد العاملين أصبح أقل أيضاً. ويرى اقتصاديون أن هذه الاتجاهات تمثل سبباً كبيراً لعدم نمو الأجور بالسرعة المعتادة. والجدير بالملاحظة أن مخاطر الأجور أو تقلبات ارتفاعها وانخفاضها من عام لآخر قد انخفضت لدى الجميع باستثناء نسبة 5% تحصل على أعلى الأجور، وهي النسبة ذاتها التي نما دخلها أيضاً بسرعة كبيرة. وقلة المخاطرة تعني المزيد من الركود، والقليل من الابتكار ومن تحسن الإنتاجية. 
ومع خروجنا من الجائحة، لدينا فرصة فريدة لتحويل مسار هذا في الاتجاه المقابل. فالأميركيون يقْدمون أخيراً على مزيد من المخاطر. فقد أصبحوا يتركون وظائفهم بأرقام قياسية ويدشنون أعمالاً تجارية جديدة. ومعظم الشركات الجديدة كيانات صغيرة أو ذات ملكية فردية. وبعضها سيفشل، كما يحدث لمعظم الشركات الجديدة، أو تصبح عملاً مكملاً لوظيفة اعتيادية. ويجب على الحكومة دعم هذا الإقبال على المخاطرة، ليس بتقديم إعانات مالية ملائمة سياسياً أو لوائح توظيف معقدة يراد بها تحقيق عدالة المنافسة أمام الشركات الصغيرة. بل أفضل طريقة تستطيع الحكومة بها المساعدةَ تتمثل في إفساح الطريق.
وهناك أسباب كثيرة أدت إلى تراجع الدافع الاستثماري منذ سنوات. فقد كان من الأصعب في هذا الاقتصاد تدشين نشاط اقتصادي صغير. والمتاجر الصغيرة تواجه صعوبة في منافسة «أمازون» أو «تارجت» اللتين تتمتعان بنطاق أكبر ويمكنهما الاستفادة من التكنولوجيا بكفاءة أكبر. كما أن الاستثمار أصبح أكثر كلفةً فيما يتعلق بالتنظيم. فكل عام يأتي بالمزيد من القواعد والرقابة على الشركات. وفي بعض الولايات، قد يتحول التأثير التراكمي إلى كلفة معطلة. فلنأخذ مثالَ مستثمر طموح في سان فرانسيسكو حاول فتح متجر لبيع الآيس كريم وأنفق 200 ألف دولار على تصاريح ورسوم ذات صلة، ثم توقف من دون أن يفتح أبوابه على الإطلاق. فقد فاقمت الجائحة الأوضاع وأدت إلى زيادة تعقيد اللوائح وزيادة كلفة العمالة. 
لكن هناك بصيص أمل؛ فبوسع التكنولوجيا أيضاً دعم الشركات الناشئة من خلال تذليل عقبات كثيرة تصاحب عمل المرء لصالح نفسه. فقد أصبح من السهل العثور على عملاء على البرامج الرقمية التطبيقية والوصول إلى عملاء في أماكن بعيدة. وبعد سنوات من العمل من المنزل، تمتع بعض الأشخاص بالمرونة وتحديد جداول عملهم الخاصة، وقد لا يرغبون في العودة إلى هيكل العمل المكتبي الصارم. وربما يساعد هذا في تفسير الارتفاع الملحوظ في طلبات الأعمال خلال العامين الماضيين. ويواجه هؤلاء المستثمرون الجدد عقبات كثيرة، بعضها ناتج عن اقتصاد يمر بمرحلة انتقالية أكثر قدرةً على المنافسة عالمياً ويفضل الحجم الكبير. لكن بعض العقبات مصطنعة ومِن صنعنا. ولسوء الحظ، يمكننا توقع المزيد من تلك العقبات. وبدلاً من تشجيع الناس على تقبّل المخاطر، تسللت السياسة لتجعل الأمورَ أصعبَ وأكثر كلفةً من أي وقت مضى. وتريد الإدارة الحالية أن يصبح توظيف عمالة مؤقتة مسألة أكثر صعوبة، وتفضل التوظيف النقابي بأجر، وجعل التوظيف أكثر كلفة. 
لكن ماذا لو اتبعت سياسات تغري الناس بفوائد المجازفة، مع توفير حماية للفئات الأضعف؟ وعلى سبيل المثال، تستطيع تقليص اللوائح التي تجعل تدشين عمل تجاري أمراً صعباً من خلال تشجيع الدول على توحيد شروط الترخيص. ويمكنها التشجيع على إقامة منصات مؤقتة لتقديم مزايا مثل الرعاية الصحية والإجازات المرضية من دون النظر إلى المتعاقدين باعتبارهم موظفين. فقد خُلق البشر لتجشم المخاطر. وكلّما قلصنا المخاطر من حياتنا، زاد عدد الذين يعانون من الركود. وعلى الولايات المتحدة أن تجعل هذه الأزمة مختلفةً، فبدلاً من تقليل المخاطر، بوسع الإدارة أن تفسح الطريق وتعيد الحراك للاقتصاد، وتجعله أكثر إنتاجيةً واحتواءً للجميع. 


ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»