لم يسبق أبداً لليمين المتشدد أن بدا قوياً في حملة الانتخابات الفرنسية مثل اليوم. وهذا يفترض أن يثير قلق كل شخص يكترث لمستقبل الحقوق والإنصاف في فرنسا، ولكنه ينبغي ألا يحجب عنا الطرق التي تستهدف بها السياسات الحكومية الإسلام. فوفق استطلاع حديث للرأي، فإن مرشحي اليمين المتشدد من المتوقع أن يحصلا على حوالي 30% من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات. ولأول مرة، تبدو شخصيتان من اليمين المتشدد مرشحتين بشكل متساو لبلوغ الجولة الثانية من انتخابات أبريل المقبل. أحدهما على الأقل حصل على كثير من الانتباه.

«إيريك زِمور»، معلّق تلفزيوني مثير للجدل أعلن ترشحه بشكل رسمي في نهاية نوفمبر الماضي، تمكن من أن يجد لنفسه مكاناً بين زعماء السباق. موقفه العنيف المناوئ للإسلام يجد له صدى وتأييداً بين عدد مهم من الناخبين، وقد أسس حزباً جديداً يحمل اسماً حربياً هو «استعادة الأرض».

«زِمور»، الذي سبق له أن أُدين عدة مرات بتهمة خطاب التحريض على الكراهية، دفع حدود الكراهية خلال الحملة الانتخابية مزيفاً التاريخ لتقديم أفكاره حول دور فرنسا خلال «الهولوكوست». بل إن حتى المرشحة «مارين لوبين»، زعيمة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتشدد، اختارت النأي بنفسها عن «زِمور»، فقالت إنها قلقة لأن حملتها يمكن أن تصبح «موضوع كاريكاتور» بسبب «تعليقاته الراديكالية جداً». وأضافت أنها تحارب «التيار الإسلامي الراديكالي»، الذي يُعد إيديولوجيا، و«لا أحارب المسلمين»، في ما يبدو توجه جديد لخطابها، فهي تحاول أن تبدو أكثر عقلانية، وإنْ كان جوهر أفكار حزبها ما زال هو شوفينية بيضاء ومعادية للمهاجرين بشكل كبير.

وهكذا، يبدو«زِمور» المرشح الأكثر تطرفاً، والمرشح الذي يستخدمه كل المرشحين الآخرين ليبدوا في مظهر جيد. الخطاب الصادر عن هذين المرشحين يبعث على القلق عن حق. ولكن في الأثناء، يبدو أن لا أحد لاحظ أن الحكومة أخذت تتبنى مقاربة جديدة ومثيرة للقلق تجاه الإسلام. فخلال الآونة الأخيرة، شهدت فرنسا عدداً من الهجمات الإرهابية الشنيعة التي ارتكبها أشخاص يدّعون الإسلام، وأصبحت الحاجةُ لحماية المواطنين ملحّةً بشكل متزايد. وبدا للكثيرين أن مشروع قانون جديد تقدمت به حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون ضد«النزعة الانفصالية»، وأعيدت تسميته لاحقاً بـ«تقوية مبادئ الجمهورية»، ضروري وجاء في وقته المناسب.

غير أنه عندما كُشف عن محتوى القانون وتم تبنيه العام الماضي، عبّرت عدد من منظمات حقوق الإنسان عن احتجاجها. القانون يتضمن إطاراً قانونياً جديداً للإشراف على التعليم في المنزل، ويخلق «عقد التزام جمهورياً» للمنظمات التي تسعى للحصول على تمويل عمومي، ويفرض على المنظمات الدينية التبليغ وتقديم تقارير إلى السلطات، ويسمح للحكومة بحل المنظمات الدينية وإغلاق دور العبادة. منظمات مثل«عصبة حقوق الإنسان» انتقدت الجوانب المتطرفة للإجراءات في«نص انقسام وتصعيد أمني» ومخاطرها، وهو ما من شأنه «إثارة الانقسام في المجتمع الفرنسي»و«تعميم الشك والاشتباه ضد أتباع الديانة الإسلامية».

وفي الأثناء، وعلى الرغم من مبدأ «اللائكية» (العلمانية الفرنسية) الصادر عام 1905 – الذي تظل الدولة بموجبه بعيدة ومنفصلة عن الشؤون الدينية – إلا أن الحكومة أصبحت أكثر تدخلاً في ممارسات المسلمين. وهكذا، حُلّت عدد من المنظمات الإسلامية أو فُككت -- إحداها حُلت لأسباب من بينها أن مكافحتها للإسلاموفوبيا«تنمّي الشك حول الإسلامموفوبيا داخل المجتمع».

هذا بينما اتُّهمت أخرى بعدم إدارة قسم التعليقات كما ينبغي على صفحاتها في وسائل التوصل الاجتماعي، فتم حلّها أيضاً. وفضلا عن ذلك، دفع ماكرون«المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية» لإعداد مسودة ميثاق من أجل الإشراف على أنشطة الأئمة. بيد أن هذه الوثيقة، التي نُشرت العام الماضي، تمثّل إساءة كبيرة لحرية التعبير والتجمع. إذ يقول أحد بنودها إن«التنديد بما يسمى العنصرية المدعومة من الدولة عملٌ تشهيري»، وهو ما من شأنه منع أي إمام من انتقاد العنصرية المؤسساتية.

في ديسمبر الماضي، حلّ وزير المالية الفرنسي «برو لومير» ضيفاً على برنامج «ذا ديلي شو ويذ تريفر نوا» حيث قدِّم على أنه خصم قوي لليمين المتشدد، الذي سيطر على مصير فرنسا ووحدتها. وجعل الأمر يبدو كما لو أن حكومته لا تدعم أجندة مثيرة للجدل.

وخلاصة القول إنه إذا كان «زِمور» واليمين المتشدد يمثّلان تهديداً حقيقياً للديمقراطية الفرنسية ويغذّيان أكثر أشكال العنصرية تطرفاً، فإنه من السهل إعلان موقف مناهض لهم من دون معالجة ما يحدث حالياً في فرنسا. والحال أن حملاتهم ينبغي ألا تلهينا عن خطر المواقف والسياسات التي تطبّق حالياً، مع ما ينطوي عليه ذلك من عواقب ملموسة.

*كاتبة وصحافية فرنسية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»