تمثِّل «أسئلة رئيس الوزراء»، التي تُعد الاستجواب الأسبوعي لأعلى منصب في بريطانيا من قبل المسؤولين المنتخَبين، دائماً الحصة الأبرز والأكثر دراماتيكية في البرلمان.

ولكن لقاء الأربعاء الماضي كان استثنائياً بحق: إذ شهد ارتفاع عدة أصوات – ليس من أحزاب المعارضة فحسب ولكن من شخصيات رفيعة في حزب «المحافظين» الحاكم أيضاً – برسالة واحدة لرئيس الوزراء بوريس جونسون مؤداها: لقد حان الوقت لكي ترحل. والواقع أنه من غير الواضح متى أو ما إن كان سيفعل. ولكن الضغط عليه في ازدياد، وذلك بعد عامين فقط على فوز في الانتخابات منح حزبه أغلبية مهيمنة في مجلس العموم. وإذا كان لدى جونسون سجل طويل في التغلب على مثل هذه التحديات السياسية، فإن هذه المرة تبدو مختلفة جداً.

صحيح أن العنصر الرئيس على لائحة الاتهام – النفاق – ليس جديداً، ولكن هناك ما يمكن تسميته بالمواقف السياسية الجديدة المرتبطة بالجائحة: أي التغير الكبير في الجو والقواعد التي تحدد ما يُعتبر مقبولاً في الزعيم السياسي. والواقع أن الخطوة الخاطئة الرئيسية التي أقدم عليها جونسون ربما كان سيكون من الصعب الدفاع عنها حتى في الظروف العادية: فقد أجاز إقامة حفلات قدِّم فيها الطعام والشراب في الإقامة الرسمية في «داونينغ ستريت»، وفي مرة واحدة على الأقل انضم إليها، وذلك في الوقت نفسه الذي كانت فيها قوانين الإغلاق التي فرضتها حكومته تحظر مثل هذه التجمعات في بقية البلاد.

ولكن الأمر الآن أضحى شخصياً. إذ بات ملايين البريطانيين يشعرون بإهانة كبيرة لهم – بمن فيهم ناخبون وسياسيون دعموه خلال تحديات سياسية سابقة – ممن اتبعوا القوانين ورأوا حيوات عائلاتهم تُقلب رأساً على عقب خلال سنتين طويلتين من الجائحة. وفي هذا الصدد، يقول آندرو راسل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ليفربول: «إن الجميع سمعوا بقصص أقارب حضروا ولادات عبر منصة«زوم»، أو حُرموا من لقاء أحفادهم، أو تخلفوا عن الحضور وأن يكونوا إلى جانب قريب يحتضر في لحظاته الأخيرة». وأضاف يقول إن الغضب موجه إلى رئيس الوزراء وفريقه في «داونينغ ستريت»، لأنه يُنظر إليهم على أنهم «لم يأخذوا (تلك التضحيات) على محمل الجد».

العتاب السياسي كان يأتي ويرحل خلال العامين ونصف العام من ولاية جونسون كرئيس للوزراء، بما في ذلك بسبب مخطط للسيطرة على هيئة رقابة برلمانية لمحاربة الفساد عقب إحدى الفضائح، إضافة إلى ادعاءات بشأن دفع متبرعين للحزب للمال من أجل تجديد مقر رئيس الوزراء. ولكن جونسون نجا من الأزمات السابقة بفضل الدعم الذي كان يلقاه بسبب بريكست والموقف الصابر الذي أبان عنه الجمهور تجاه سياساته خلال الجائحة. ولكن الآن هناك خطر حقيقي لا يبدي أي مؤشرات على أنه سيتبدد قريباً.

ومثلما فعل خلال «أسئلة رئيس الوزراء»، حاول جونسون التصدي لأسئلة بشأن الحفلات بالقول إن على المنتقدين الانتظار إلى حين اكتمال تحقيق رسمي تشرف عليه مسؤولة «المكتب الحكومي» سو غراي. غير أنه بغض النظر عن نتيجة التحقيق، فإن حفلات «دوانينغ سريت» كسرت ما يسميه كاتب العمود السياسي بصحيفة «ذا تايمز» دانييل فينكلشتاين برابطة «التعامل بالمثل» التي تربطه بالناخبين. فأن تتوقع من الآخرين الامتثال للإغلاق بينما تحجم أنت عن ذلك «يثير سؤال الإنصاف» في أذهان الناخبين، كما يقول فينكلشتاين. كما أن فكرة التضحية تغيرت أيضاً.

وفي هذا الصدد، يقول الأستاذ راسل، إن الظروف الصعبة الناتجة عن الوباء أدت إلى شعور بالوحدة يسميه البريطانيون بـ«روح حملة القصف الجوي النازي لبريطانيا». ولئن كان ذلك قد تراجع شيئاً ما الآن مع تخفيف قوانين الإغلاق، فإن الجائحة قضت على أفكار تقول إن الإيثار والتضحية يبذلان من قبل المشاهير والمواطن العادي على حد سواء. في وقت سابق من الجائحة، عاشت شخصيات أصغر في محيط جونسون التأثيرات السياسية للغضب الذي خلقه فشلُها في مواكبة شعور الجمهور بالإنصاف.

فعندما خرق المستشار العلمي للحكومة نيل فيرغسون قواعد الإغلاق، اضطر للاستقالة. والأمر نفسه حدث حينما ثبت أن وزير الصحة السابق مات هانكوك انتهك قواعد التباعد الاجتماعي التي لطالما طلب من الآخرين الالتزام بها. وفي هذا الإطار، يقول باتريك دايموند، وهو مستشار سياسي سابق في «داونينغ ستريت»، إن هناك شعوراً متزايداً بين كثير من الناس بأن هناك «قاعدة للحكومة» وقاعدة أخرى لبقية الناس. «وهذا أصبح واضحاً جداً الآن». وقد أصبح واضحاً جداً بالنسبة لجونسون بشكل خاص.

فقد صعد هذا الأخير إلى الشهرة السياسية بسبب قدرته على ربط علاقة مع الناس العاديين بشكل خاص والتواصل معهم وتسليتهم بالقدر نفسه. ولكن أخبار حفلات «داونينغ ستريت» ظهرت في وسائل الإعلام بشكل تدريجي، ما ساهم في شعور بانتهاكات مكشوفة لا نهاية لها – وإحباط بلغ الآن حداً كبيراً جداً.

ويقول دايموند، الذي يعمل حالياً أستاذاً للعلوم السياسية بجامعة لندن في كوين ماري: «بشكل مفاجئ، بدأ يجد أنه لم يعد من الشعب، وإنما يبدو أشبه بالنخبة، يفعل ما يريد».

ومن جانبه، يقول سام برايت، وهو صحفي سياسي متخصص في التحقيقات من هادرزفيلد:«إن الناخبين، وخاصة أولئك الذين يعيشون في مناطق منسية ومهمشة من البلاد، يبحثون دائماً عن سياسيين جديرين بالثقة يستطيعون إعادة إحياء آمالهم في السياسة»، مضيفاً «غير أنه عندما يحطِّم سياسي تلك الآمال، لا يرحمه الناس».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»