كل يوم، يتعرض حوالي 20 طفلاً لإطلاق نار من سلاح ناري في الولايات المتحدة ويتعرض 300 شخص فوق سن الـ17 لإطلاق نار. وإذا كانت الكثير من أعمال إطلاق النار تحْدث نتيجةَ حوادثَ عرَضية وغير مميتة، فإن أعداد الأشخاص الذين يُقتلون يومياً بهذه الأسلحة (106) ما زالت مرتفعةً وصادمةً. هذه الأرقام تخص الولايات المتحدة وحدها وتقتصر عليها، إذ لا يوجد أي بلد آخر متقدم بمثل هذا السجل. وقد ساهم وباء «كوفيد-19»، وما ترتب عليه من إغلاقات وحجر منزلي لعدة أشهر، وغالباً في ظروف مكتظة وصعبة، إضافةً إلى العسر المالي الشديد.. كل ذلك ساهم في زيادة أعمال العنف المنزلي والهجمات على محال البيع بالتجزئة. 
الحجج الدائمة بشأن ثقافة السلاح في أميركا، تركّز بشكل دائم على تاريخ الولايات المتحدة والدور الحيوي الذي لعبه الوصولُ إلى الأسلحة في قدرة المستوطنين الأوائل على ترويض بلد جامح ومترامي الأطراف ومقاتلة الأميركيين الأصليين الذين قاوموا جهود الاستيلاء على أرضهم وحقوق ملكيتهم. ثم جاءت الثورة الأميركية ودور المليشيات المسلّحة في محاربة البريطانيين. وبعد الانتصار والاستقلال، نُص على الحق الأصيل للمواطنين الأميركيين في حمل السلاح ضمن التعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة. ويظل هذا التعديل حجر الزاوية بالنسبة لمن يشددون على أنه يسمح لهم بشراء الأسلحة والذخيرة التي تشمل أكثر أنواع الأسلحة تقدماً وفتكاً على السوق. 
وحتى الأمس القريب، كانت أقوى الاحتجاجات على تراخي قوانين السلاح تبلغ ذروتَها كلّما حدث إطلاق ناري جماعي عنيف أو مأساوي بشكل خاص في مدرسة ثانوية أو كنيسة أو مسجد أو كنيس. غير أن الجهود الرامية إلى تمرير قوانين سلاح أكثر تقييداً، بعد كل حادث من هذه الأحداث، كانت تفشل بسبب قوة شركات صناعة الأسلحة واللوبيات السياسية التي تدعمها، وخاصة «الجمعية الوطنية للبنادق». صحيح أن هذه الأخيرة واجهت أزمات خطيرة بين قيادتها بسبب مشاكل فساد مالي، لكن هذا لم يؤد إلى إقناع الكونجرس بتمرير قوانين سلاح أكثر صرامة.
بيد أن ما قد يغيّر النقاش الوطني حول الأسلحة، هو الدلائل المتزايدة على أن أخطر تهديد يحدق بالديمقراطية الأميركية، هو إمكانية قيام مجموعات مسلحة تسليحاً جيداً بأعمال عنف ضد المؤسسات التي تحافظ على الهياكل الأساسية للمجتمع. وقد مثّل التمرد واقتحام الكابيتول الأميركي في 6 يناير 2021 مؤشرَ تحذير في هذا الاتجاه. ففي ذلك اليوم، لم يكن المتمردون مسلحين بأسلحة من الطراز العسكري. ولو كانوا مسلحين بها، لكانت نتيجة العنف مختلفةً للغاية. ولحسن الحظ أن مهاجمة الكابيتول الأميركي في المستقبل ستكون أصعب بكثير، ولكن مؤسسات أخرى أقل حماية عبر البلاد تظل أكثر هشاشة. ومما يزيد من مشاكل العنف الأهلي المتنامية أن موجات جريمة جديدة ضد متاجر البيع بالتجزئة الكبيرة اندلعت في مدن كبيرة مثل لوس أنجلوس جراء إغلاقات «كوفيد-19» وما ترتب عليها من اتساع لدائرة الفقر. هذه الأحداث أشاعت الخوف بين الناس في الأحياء الغنية بالمناطق الحضرية مثل بيفرلي هيلز، وأدت إلى إقبالٍ كبير على شراء الأسلحة من قبل مواطنين غير مسلَّحين عادةً، لكنهم باتوا الآن يخشون على أرواحهم وممتلكاتهم من العصابات الإجرامية. والنتيجة: مزيد ومزيد من الأسلحة في أيدي المدنيين. 
ولعل السيناريو الأكثر إزعاجاً من بين سيناريوهات العنف الأهلي العديدة هو ذاك المرتبط بانتخابات 2024 الرئاسية وإمكانية أن تكون نتائجها جد متقاربةً لدرجة أن لا أحد من الطرفين المتنافسين سيكون مستعداً للإقرار بهزيمته. تحت هذه الظروف، يظل نزاعٌ مسلح على الجانبين ممكناً، وهذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية جديدة. البعض يشعر بالقلق ويخشى أن يؤدي ذلك إلى انقسام الجيش نفسه بشأن أي دور ينبغي له أن يلعبه. ذلك أنه إذا قررت بعض المجموعات داخل القوات المسلحة أن تتخلى عن الحياد وتصطف في صف حزب سياسي معين، فإن قدرة بنية القيادة العسكرية على السيطرة على قواتها يمكن أن تصبح موضع شك. وهذا الأمر من شأنه أن يمثّل نتيجة كارثية، وأن يؤدي إلى تمزيق البلاد لأشهر إن لم يكن لسنوات، كما من شأنه أن يفضي إلى نتائج وتداعيات أوسع بالنسبة للنظام العالمي.

مدير البرامج في مركز «ناشيونال إنترست»- واشنطن