ستشكل هذه المقالة آخر استقراء لأهم الأحداث الدولية التي جرت عام 2021 وما زالت تلقي بظلالها على النظام العالمي ولها أبعاد متعددة ومتداخلة تمكّن من فهم ما جرى وما سيجري في مستقبل مطبوع باللايقين:
- أقر مجلس الشيوخ الأميركي، وفي لحظة تفاهم نادرة بين «الديمقراطيين والجمهوريين»، مشروع قانون يقضي بتخصيص استثمارات كبيرة في التكنولوجيا المتطورة. وتقضي الخطة بتخصيص أكثر من 170 مليار دولار، وذلك لأهداف البحث والتطوير. وترصد هذه الخطة 120 مليار دولار للوكالة الحكومية «مؤسسة العلوم الوطنية» لتشجيع البحث في مختلف المجالات التي تعتبر رئيسية مثل الذكاء الاصطناعي. فالذي سيفوز في السباق على تقنيات المستقبل، سيكون لا محالة القائد في الاقتصاد العالمي، ونحن في بلداننا العربية يجب أن نطرح سريعاً مسألة التخصصات ووظائف المستقبل في ظل التحولات المتسارعة وغير المسبوقة التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
- حشدت روسيا في عام 2021 أكثر من 94 ألف جندي بالقرب من حدودها مع أوكرانيا، وربما تستعد لهجوم عسكري واسع النطاق. ويخشى الأوكرانيون الذين يقطنون قرب الحدود مع روسيا من أن يتكرر سيناريو الاشتباكات العسكرية والقصف اللذين حدثا قبل سنوات مع الانفصاليين الموالين لروسيا في تلك المناطق، وما ترتب عليه من خسائر، بما في ذلك الدمار الذي سببه هذا النزاع لمدينة أفديفكا الصناعية الأوكرانية. والمعادلة في هذه المشكلة بسيطة: روسيا تقول إنها لا تريد أية مواجهة عسكرية مع أوكرانيا مقابل امتناع حلف الشمال الأطلسي (الناتو) عن التواجد قرب حدودها، بمعنى أنها تدعو إلى «ضمانات أمنية» وتأكيدات على أن حلف شمال الأطلسي لن يستمر في التوسع شرقاً، خاصة مع تقديم أوكرانيا طلباً للانضمام إلى عضوية الحلف.
-تستمر الصين في إنشاء طرق حرير جديدة، وبمرور السنين، أصبح هذا البرنامج الاستثماري الضخم في البنية التحتية بمثابة السياسة الكبرى للدولة الصينية. وقد نجح الرئيس الصيني في إقناع العديد من دول العالم بالنسخة الحديثة من هذا الممر الاقتصادي والتجاري الهائل. ويقوم العملاق الصيني بتغيير الخريطة الاقتصادية العالمية على جميع الأصعدة، من الحوكمة العالمية إلى القواعد التجارية مروراً باحترام البيئة وعمليات الاستثمار، من خلال توظيفه استثمارات كثيفة في جميع أنحاء العالم.
-يظهر من خلال استقراء أهم مميزات الفاعلين الكبار في النظام العالمي، أن التحالفات العسكرية والعلاقات الاقتصادية هما عاملان لمعادلة توازنية واحدة، وستصبحان أهم محددات الفترة المقبلة التي ستطبع العلاقات في النظام العالمي الجديد. قارن معي: الصفقات التي أبرمتها روسيا مع الهند، والتي تهدد جوهر استراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة «توسع» روسيا والصين في الشرق الأوسط وما وراءه، فموسكو ونيودلهي أبرمتا حزمة من الاتفاقيات الدفاعية والاقتصادية. والمهم من هذا المثال هو أنه لا يمكن لأميركا ولا الصين ولا روسيا، ولا أي فاعل دولي كبير آخر، التموقع والريادة في النظام العالمي من دون تحالفات عسكرية واقتصادية في نفس الوقت. 

أكاديمي مغربي