أكد وباء «كوفيد-19» الحالي، وبشكل قاطع لا يقبل النقاش، حقيقةَ أن أوبئةَ الأمراض المعدية لا تعترف بالحدود السياسية، ولا حتى بالحدود الجغرافية. حيث أصبحت تترك خلفها آثاراً مدمرةً على القاصي والداني، وتعيق جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل ترتد بها أحياناً إلى الوراء لتلغي حصيلة عقود كاملة من التنمية. فبخلاف الضغوط الهائلة وغير المسبوقة التي تعرضت لها نظم الرعاية الصحية في جميع دول العالم دون استثناء، ودفعت بالكثير منها إلى شفا الانهيار، تسبب الوباء الحالي في اضطراب وتعطيل طرق التجارة وسلاسل الإمدادات، وفي خسارة مئات الملايين لوظائفهم ومصدر رزقهم الوحيد، وخصوصاً النساء والأطفال في دول ذات اقتصاديات ضعيفة أساساً.
ولذا كان من بين أهم الدروس المستفادة من هذا الوباء، ضرورة تضافر الجهود الدولية في مواجهة الأوبئة، وتجنب استحواذ وتخزين الدول المتقدمة للمتوفر من اللقاحات، في وقت تعجز فيه الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل عن الحصول على القليل من الجرعات لحماية أفراد الطواقم الطبية والصحية وبقية العاملين في الخطوط الأمامية. هذا الإدراك المتزايد بأهمية التعاون الدولي في مواجهة الأوبئة عبر اتفاقيات ومعاهدات دولية، تجسد في قيام أكثر من 24 من زعماء وقادة العالم بداية أبريل الماضي، بالدعوة والمطالبة بضرورة مأسسة وتأطير التعاون الدولي ضد الأوبئة والأمراض المعدية مستقبلاً.
وهو بالتحديد المفهوم الأساسي خلف اليوم العالمي للجاهزية لأوبئة الأمراض المعدية، والذي تتمحور فكرتُه الأساسية حول التأكيد على أهمية العمل المشترك، وعلى تضافر الجهود بين حكومات الدول في مختلف أصقاع الأرض، وبين المنظمات الدولية العاملة في مجال الصحة العالمية، لدعم الجهود الرامية لبناء نظم قوية للاستجابة للأوبئة المعدية، ضمن مقاربة متكاملة لتحقيق هدف توفير الرعاية الصحية للجميع.
وقبل ذلك، وخلال قمة دول مجموعة السبع نهاية فبراير الماضي، تعهد قادة هذه الدول بزيادة مساهمتهم في مبادرة مشاركة التطعيمات، المعروفة باسم «كوفاكس»، والتي تستهدف إيصال 1.3 مليار جرعة تطعيم إلى شعوب ومجتمعات الدول الفقيرة. لكن المشكلة لم تكن في حجم التبرعات، بل في توقيتها، أو بالأحرى تأجيلها لحين توفر فائض. فمن خصائص الفيروسات المعروفة والثابتة، قدرتها على التحور والتغير من خلال طفرات جينية وراثية. وكلما سمح للفيروس بالانتشار زادت فرص تحوره، وتسارعت وتيرة تغيّره. ولذلك، فإذا تأخرت الدول الفقيرة عن تطعيم سكانها، زادت فرصة تحورات الفيروس لينتج سلالات جديدة لا تجدي معها أنواع التطعيمات المتوفرة. وهو بالتحديد السيناريو الذي يكتب المتحور «أميكرون» سطوره حالياً، في شكل عاصفة فيروسية غير مسبوقة في التاريخ البشري.


كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية