تمكن مايكل داي، 25 عاماً، أن يؤمّن حياة كريمة لنفسه كعامل في صناعة النفط والغاز. فهو يعمل ميكانيكياً بمصافي النفط منذ أن كان عمره 18 عاماً، بعد تخرجه من المدرسة الثانوية –وهذا هو العمل الذي منح داي وزوجته وأطفالهما حياة مريحة حتى الآن، كما أن لديه خططاً للمستقبل أيضاً. يعتزم داي مواصلة هذا العمل حتى أواخر الأربعينيات من عمره، عندما يخطط للتقاعد مبكراً.

وبفضل المكاسب التي ادخرها، تمكن داي من شراء قطعة أرض صغيرة بالقرب من منزله في تكساس سيتي، تكساس، حيث يقوم تدريجياً ببناء موقف سيارات ترفيهي، لتأجيره للمسافرين. حتى بالرغم من أن التهديد الذي يمثله تغير المناخ قد أدى إلى دعوات ملحة للعالم للتوقف عن استخدام الوقود الأحفوري، فلا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن خطة داي غير محتملة. والنظرة المستقبلية -التي تؤكدها الاحتجاجات العالمية الأخيرة بشأن أسعار البنزين أو نقص الغاز الطبيعي –أن العالم لا يزال يعتمد بشدة على الوقود الأحفوري. حتى مع وجود سياسات بيئية طموحة، فإن التوقف عن استخدامه سيستغرق عقوداً.

ومع ذلك، بالنسبة للصناعة نفسها، تنحسر شهية المستثمرين لمخزونات النفط. تعمل حوافز استخدام الطاقة النظيفة والسياسات الحكومية الأخرى على دفع شركات النفط الكبرى نحو مستقبل أصغر. ومن الدعاوى القضائية إلى الوثائق المسربة، تواجه الصناعة احتمال تحميلها المسؤولية عن دورها في تغير المناخ الذي يسببه الإنسان. بالإضافة إلى كل هذا، قد تشير هذه الاتجاهات المتعارضة إلى تحدٍ أساسي بالنسبة للسنوات المقبلة: سيتطلب تثبيت درجات حرارة الأرض جهوداً متضافرة، ليس فقط لاستبدال الوقود الأحفوري، ولكن أيضاً للتخفيف من الاضطراب الاقتصادي المحتمل أثناء الانتقال.

بالنسبة لشركات النفط، فهي حقبة يتناقض فيها الطلب المستمر على منتجاتها مع مستقبل غامض مثل قاع برميل النفط الخام. يقول ريتشارد ويلز، المدير التنفيذي لـ«مركز تكامل المناخ» في واشنطن: «الهدف الكامل للصناعة هو التأخير، وهذا ما أمضوا السنوات الثلاث أو الأربع الماضية في فعله. لقد استنفذوا تكتيكات التأخير، لكنهم يمثلون أعظم فناني التأخير في العالم». وهو يشير إلى الكيفية التي رفعت بها ولايات مثل ديلاوير ونيويورك ومينيسوتا، وولايات أخرى دعاوى قضائية ضد شركات النفط، زاعمة أنها ضللت المستهلكين والمستثمرين بشأن الدور الذي لعبته منتجاتهم في التدهور البيئي وأزمة المناخ.

ولكن هناك بعد ذلك الجانب الآخر من كل هذا: الاعتماد العام المستمر على هذا الوقود لتدفئة المنازل، وإدارة المصانع، وخاصة تشغيل وسائل النقل. في 23 نوفمبر، قال الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض: «في الوقت الحالي، سأفعل ما هو ضروري لخفض السعر الذي تدفعونه في محطات الوقود»، وأعلن عن تحرك غير معتاد لإطلاق المخزونات من احتياطي النفط الاستراتيجي في الولايات المتحدة. يذكر أن أسعار النفط قد ارتفعت هذا العام مع فشل العرض في مواكبة الطلب، مما ساهم في زيادة المخاوف بشأن تأثير التضخم على الانتعاش الاقتصادي.

قالت إدارة بايدن: إن جهودها المؤقتة لتخفيف أسعار الضخ لا يجب أن تتعارض مع الهدف طويل المدى للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ولكن على أقل تقدير، يشير الوضع الحالي إلى ما يمكن أن يظل عملية موازنة صعبة لسنوات قادمة. يرى العديد من الاقتصاديين أن أسعار الوقود المرتفعة وسيلة لإبعاد المستهلكين عن البترول. ومع ذلك، يمكن أن تكون نفس الأسعار المرتفعة عبئاً سياسياً ثقيلاً. تراجعت أسعار الغاز منذ إعلان بايدن الشهر الماضي، لكنها لا تزال أعلى بما يقرب من دولار واحد للجالون الواحد مقارنة بما كانت عليه قبل عام.

وتراجعت نسبة التأييد لبايدن وسط مخاوف عامة بشأن التضخم والوباء، من بين عوامل أخرى. تعكس استطلاعات الراي التناقض بشأن الأولويات المتنافسة. قال حوالي 53% من الأميركيين إنهم يريدون تقليل عمليات التنقيب عن النفط قبالة السواحل (مقابل 14% أرادوا المزيد، و32% بدون تغيير في معدل العمليات)، وفقاً لاستطلاع للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست ومؤسسة قيصر فاميلي عام 2019.

ومع ذلك، تظهر استطلاعات الرأي هذا العام قلقاً كبيراً بشأن أسعار البنزين. وفي جميع أنحاء العالم، يرى الكثيرون أن الغاز الطبيعي مصدر طاقة جذاب -وغالباً ما يُطلق عليه «الوقود الجسر» للانتقال نحو طاقة أنظف. وجد استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2020 أن نحو 69% من البالغين في 20 دولة يفضلون التوسع في استخدام الغاز الطبيعي، مقارنة بـ 39% من البالغين في تلك البلدان والذين يفضلون التوسع في استخدام النفط. ويقول بعض الخبراء: إن عصر التراجع في إنتاج النفط الأميركي بدأ منذ سنوات.يقول تايلور بريست، الأستاذ المساعد في جامعة ايوا، والذي يدرس تاريخ التنقيب عن النفط والغاز: «كان الانتقال الحقيقي في السبعينيات».

ويضيف أنه منذ ذلك الحين، فإن صناعة النفط المحلية «لم تكن قادرة على استبدال، والإضافة إلى احتياطياتها بالطريقة التي كانت عليها». بقدر ما يظل النفط مهماً، يقول العديد من خبراء الطاقة: إن الانتقال الناجح من عصر النفط إلى الطاقة النظيفة أمر ممكن خلال العقدين المقبلين. لكن الأمر سيتطلب استثمارات عميقة والتزاماً مستمراً من قبل كل من الحكومة والقطاع الخاص. وبالفعل، فإنه من الملاحظ أن مشاريع الطاقة المتجددة تستطيع الحصول على التمويل بسهولة أكبر من المشاريع النفطية، وفقاً لتقرير صادر عن بلومبيرج انتيليجينس.

زاندر بيترز*

صحفي وكاتب مستقل متخصص في قضايا المناخ

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»