قد تكون العلاقات بين الهند وروسيا قد مرت بكثير من التغيرات والتقلبات خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن خلال الجائحة وعقب التطورات الأخيرة التي شهدتها أفغانستان شهد الشريكان القديمان من جديد صعوداً في مستوى جودة علاقاتهما. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زار الهند هذا الأسبوع من أجل المشاركة في القمة الهندية-الروسية السنوية.

وفي مؤشر على الأهمية التي تعلّقها روسيا على هذه العلاقة، كانت تلك الزيارة الثانية التي قام بها بوتين إلى الخارج خلال الجائحة، بعد الأولى التي كانت إلى جنيف من أجل لقاء قمة مع الرئيس الأميركي جو بايدن.

وخلال قمة دلهي، سعى البلدان إلى توسيع العلاقات الثنائية عبر بحث سبل تعميق التعاون في مجالي الطاقة والتجارة. كما وقّع البلدان اتفاقية تعاون في مجال الدفاع لمدة 10 سنوات تغطي التعاون الحالي والمستقبلي وتضمنت صفقة أسلحة صغيرة لشراء 600 ألف بندقية هجومية من طراز «إي كي 203» عقب محادثات عالية المستوى. الرئيس الروسي وصف الهند بـ«الصديق القديم» مشيراً إلى أن علاقاتهما العسكرية «لا نظير لها».

هذه المحادثات التي جرت على مستوى القمة سبقتها محادثات بين وزراء خارجية ودفاع البلدين وفق صيغة «اثنين زائد اثنين»، التي تربط الهند مع بلدان مختارة ومحدودة مثل الولايات المتحدة. غير أنه لم يتسن عقد اتفاقية لوجستية كانت مرتقبة على نطاق واسع نظراً لأنه لم يتم الاتفاق بعد بشأن بعض النقاط الخلافية. وبشكل عام، وقّع البلدان 28 اتفاقية بما في ذلك التعاون في مجال الفضاء.

وتُعتبر روسيا والهند حليفين منذ زمن الحرب الباردة، إذ تعتمد نيودلهي على موسكو في كل إمداداتها العسكرية. وعلى مدى سنوات طويلة، كثيراً ما شدد الجانبان على العلاقات الخاصة التي تربط بين البلدين. ولكن قرب الهند المتزايد من الولايات المتحدة بات يُنظر إليه على أنه يؤثّر سلبياً على العلاقات مع روسيا. فقد تابعت موسكو قرب نيودلهي المتنامي من واشنطن وقامت بدورها بتطوير علاقات مع منافس الهند في المنطقة باكستان، مما أثار انزعاج نيودلهي.

غير أنه كان هناك اصطفاف استراتيجي متزايد حول بعض القضايا خلال الآونة الأخيرة، ومن ذلك مثلا التطورات الأخيرة التي عرفتها أفغانستان مؤخراً، والتي غذّت تشاوراً أكبر بين الجانبين. فرغم التقرب من أميركا، إلا أن الهند مضت قدماً في شراء منظومة الصواريخ الروسية «إس 400»، رغم أن هذه الصفقة قد تجرّ عليها عقوبات في إطار «قانون مواجهة أعداء أميركا من خلال العقوبات» الأميركي. عملية الشراء في حد ذاتها تُظهر أن نيودلهي تعلّق أهمية كبيرة على تعاونها العسكري مع روسيا على الرغم من قربها المتزايد من واشنطن وتمتين تعاونها الدفاعي معها.

وعلى كل حال، فإن 70 في المئة من المعدات الهند العسكرية ما زالت تأتي من روسيا. ورغم أن علاقات الدفاع تظل الركيزة الأساسية للعلاقات، إلا أن هناك أسباباً استراتيجية أكبر تلعب دوراً مهماً، ذلك أن نيودلهي لا يمكنها الاضطلاع بدور نشط في أفغانستان ومنطقة أوراسيا من دون التعاون مع موسكو، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة لها حدودها الخاصة. وبالمقابل، تجد روسيا أيضاً أهمية في العلاقات مع الهند.

فقد لعبت روسيا دوراً في جلب الهند والصين إلى طاولة الحوار بعد أن كانت العلاقات بينهما متأزمة بسبب خلاف كبير هو الأسوأ من نوعه منذ أربعة عقود. كما أن روسيا أيضاً ترغب في التشاور مع الهند بشأن أفغانستان وفي رؤية تعددية أقطاب في المنطقة. وهند قوية يُتوقع أن تمثّل شيئاً جيداً بالنسبة لروسيا أيضاً.

لقد كانت هذه القمة مؤشراً واضحاً على أن نيودلهي تولي أولوية كبيرة لعلاقاتها مع موسكو، والعكس صحيح، إذ أن كلا البلدين حريصان على تعزيز العلاقة الثنائية. غير أنه خلال القمة، لم يكتفِ البلدان بتعزيز تلك العلاقات، وإنما تعهدا أيضاً برفع حجم التجارة السنوية إلى 30 مليار دولار بحلول 2025. إذ يُنظر إلى حجم التجارة الحالي على أنه دون الإمكانيات الحقيقية للبلدين إذ لا يتعدى 10 مليارات دولار حالياً. فخلال جائحة كوفيدـ 19، انخفضت التجارة بـ17 في المئة في 2020، ولكنها انتعشت بـ 38 في المئة هذا العام. ومع ذلك، فإن الخلاصة الرئيسية للقمّة التي جمعت مودي وبوتين هو أن روسيا تظل شريكاً مهماً للهند في المنطقة.

* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي