منذ أن طرح الرئيس الصيني «شي جين بينغ»، في عام 2013 «مبادرة الحزام والطريق»، التي تستهدف زيادة ترابط الصين اقتصادياً مع أوروبا وأفريقيا وآسيا، عبر شبكة واسعة من ممرات النقل البرية والبحرية، كثر الحديث عن المبادرة ومضامينها الاقتصادية والسياسية، وزادت وتيرة التقارير عنها مع ارتفاع حدة التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، في خضم التنافس الاقتصادي والعسكري العالمي بينهما.

وقد طُرحت مبادرة الحزام والطريق في منطقة الخليج العربي عام 2015، وغدت الركيزة الرئيسة للسياسة الصينية تجاه المنطقة، والمحور الرئيس للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين. ومنذئذٍ، هناك تصاعد ملحوظ للسياسة الصينية في المنطقة عبر تواتر زيارات المسؤولين الصينيين لدولها بهدف تعزيز التنسيق والتشاور معها بشأن المبادرة، توجت بزيارة الرئيس الصيني للمنطقة في يناير 2016.

وقد أعلنت دول المجلس مشاركتها في «مبادرة الحزام والطريق»، وسرعان ما أصبحت ضمن الشركاء الرئيسين فيها، عبر توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي، بل وتأسيس شراكات استراتيجية شاملة مع الصين.

وترى دول مجلس التعاون في المبادرة مجالاً جيداً لتحقيق خططها الاقتصادية الجديدة التي ترتكز على تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط، والتحول إلى مراكز دولية للتجارة والسياحة. فالصين، وهي الشريك النفطي الرئيس لهذه الدول، قادرة على الإسهام في تطوير الاقتصادات الخليجية عبر سلسلة من المشروعات والاستثمارات الاقتصادية والمالية.

وقد أيقنت دولة الإمارات منذ البداية أن إمكاناتها التنموية وموقعها الاستراتيجي ودورها الاقتصادي الريادي في المنطقة تؤهلها لأن تكون مشاركاً فاعلاً في المبادرة التي تُعد فرصة مواتية لتطلعات دولة الإمارات التنموية والاستثمارية إقليمياً ودولياً. علاوة على ذلك، توفر المبادرة طريقاً ممكناً ليكتسب دور الإمارات المحوري في التجارة الدولية أبعاداً استراتيجية جديدة، لاسيما مع ولوجها في مرحلة الخمسين الثانية برؤية طموحة.

وفي هذا الخصوص، نرى أنّ مبادرة الحزام والطريق تشكل حالة إيجابية لتحقيق الأهداف الاقتصادية المتضمنة في وثيقة مبادئ الخمسين، وعلى رأسها التنويع والاستدامة الاقتصادية. كما إنّ المبادرة من شأنها مضاعفة الأهمية التنافسية للدولة، وتنمية تجارتها الخارجية، وخاصة نشاط إعادة التصدير، حيث يمثل الحزام والطريق منصة مثالية لعقد الشراكات والتحالفات الاقتصادية المؤثرة، ومعبراً لمرور حركة التجارة لمختلف دول العالم، بالنظر إلى وجود أكثر من 60 دولة حول العالم منخرطة في هذه المبادرة التنموية الضخمة.

وفي لقائه مع الرئيس الصيني (يوليو 2019)، أعرب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة «عن استعداد الإمارات للمشاركة بفعالية في مبادرة الحزام والطريق عبر توسيع الاستثمار في الصين، وزيادة التبادل التجاري وتعزيز التبادلات والتعاون في مجالات تشمل التمويل والطيران والمشاركة بين رجال الأعمال والأنشطة الثقافية ودعم التعاون العلمي والتكنولوجي مع الشركات الصينية».

وبالمقابل، أعرب بينج «عن حاجة الجانبين إلى تسريع البناء المشترك للمبادرة بجودة عالية، وتعزيز التوافق بين استراتيجيات التنمية المتبادلة، والسعي لتحقيق هدف 200 مليار دولار من التجارة الثنائية في عام 2030، والانتهاء من محطة ميناء خليفة للحاويات والمنطقة التجريبية للتعاون الصناعي بين الصين والإمارات، وتعزيز وتوسيع التعاون الاستراتيجي طويل الأجل والمستقر والشامل في قطاع الطاقة».

وقد ضخت دولة الإمارات عشرة مليارات دولار في صندوق استثمار صيني-إماراتي مشترك لدعم مشاريع المبادرة في شرق أفريقيا، ووقعت 13 مذكرة تفاهم مع الصين عام 2018، للاستثمار في مجالات متعددة داخل الإمارات. وقبل هذا كله، فإنّ دولة الإمارات عضو مؤسس في البنك «الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية» AIIB، واستضافت الاجتماع السادس لمجلس محافظيه في أكتوبر المنصرم.

والواقع أنّ الصين تمثل أحد أهم مصادر الاستثمارات الأجنبية المباشرة في دولة الإمارات في المجالات كافة. ويُلاحظ أنّ دولة الإمارات تُولي أهمية خاصة للمشروعات البحرية المتضمنة في مبادرة الحزام والطريق. بيد أننا نرى أنه من المفيد التركيز على المبادرة بشقيها البري والبحري، مع مراعاة ما قد تمثله المشروعات البرية والبحرية، وحيازة دولة الإمارات الخبرات اللازمة في كليهما.

وسيمكن الحزام البري لمشروع الحزام والطريق من نقل البضائع والخدمات عبر العديد من الدول، معظمها في آسيا الوسطى، مروراً بتركيا وإيران، وصولاً إلى أوروبا، بوساطة قطارات حديثة للسكك الحديدية. وعليه، فإنّ ضمان الدخول في مشروع الطريق البري سيمنح الإمارات حضوراً مميزاً يخدم رؤيتها الاقتصادية. ومن المتوقع أنْ تزدهر الصناعات والخدمات المرتبطة بالنقل البري، وسوف تشهد المدن الواقعة في مناطق العبور البري انتعاشاً اقتصادياً جراء النمو السكاني وازدياد الطلب على السلع والخدمات والبنى التحتية.

أما الطريق البحري، الذي لايزال في مراحله الأولى، فسوف يمتد من الساحل الصيني إلى أوروبا، مروراً بموانئ أغلب دول الآسيان وبعض دول جنوب آسيا باتجاه إقليم البحر المتوسط وشمالي أفريقيا.

ونظراً للخبرة المتراكمة للمؤسسات الإماراتية والسمعة الإدارية التي تتمتع بها، فأمامها وقت متاح وفرص هائلة للدخول في شراكات إقليمية مع الدول المندرجة في هذا الطريق. وهناك تحديات عديدة أمام مبادرة الحزام والطريق، ولا نستطيع الجزم بأن تنفيذها وفق مراحلها المتعددة سيمضي من دون عقبات طبيعية أو وبائية (مثل انتشار جائحة كورونا حول العالم) أو سياسية، ولكن تظل الآمال معقودة حول فوائدها الاقتصادية وتوسيع آفاق التعاون بين الدول لمصلحة التنمية المستدامة.

د. محمد عمر عبدالله*

*سفير سابق، خبير في الشؤون السياسية والاقتصادية الدولية.