تطغى التقلبات في أسعار النفط على غيرها من الأخبار الاقتصادية بعد أن دخلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بكل قوة للتأثير في اتجاه خفض الأسعار بحرب إعلامية أكثر منها حرب قرارات عملية، ساعدها في ذلك التحور الجديد لفيروس كورونا «أوميكرون»، مما أدى إلى انخفاض سعر برميل النفط إلى 68 دولاراً نزولاً من 80 دولاراً للبرميل، وذلك قبل أن يعاود الارتفاع بداية الأسبوع الجاري ليتجاوز 74 دولاراً للبرميل.

وكما ذكرنا من قبل، ونؤكد عليه هنا مرة أخرى، فإن استخدام الولايات المتحدة لمخزونها الاستراتيجي لخفض الأسعار لن يجدي نفعاً وستكون له نتائج عكسية، فهذا الاحتياطي مخصص أساساً لمعالجة الاضطرابات قصيرة الأجل، وهو ما أكده الأسبوع الماضي مستشار الطاقة للرئيس الأميركي السابق جورج بوش، قائلاً: «إن استخدام المخزون الاستراتيجي عملية فيها الكثير من المخاطر، وإن الحل يكمن في تحدُّث الرئيس للسعوديين لحل مسالة ارتفاع الأسعار».

ويبدو أن إدارة بايدن استمعت إلى هذه النصيحة وهو ما يتضح من تصريح «جين ساكي»، المتحدثة باسم البيت الأبيض، والذي قالت فيه: «نقدر التنسيق الوثيق مع شركائنا في السعودية والإمارات ومنتجي (أوبك+) لمعالجة ضغوط الأسعار».

والحقيقة أن هذا التوجه الذي أوصى به المستشار السابق للطاقة أفضل من قرار تحالف المستهلكين الرامي إلى الإفراج عن المخزون الاستراتيجي، إذ بالإضافة إلى إفراج واشنطن عن 50 مليون برميل، فقد انضمت الصين -المنافس اللدود لواشنطن- إلى التوجه الأميركي، حيث أعلنت هي أيضاً، وكذلك فعلت بريطانيا، عن استخدامها لمخزونها النفطي. كما أفرجت اليابان عن 4.2 مليون برميل، والهند عن 5 ملايين برميل.. بعد أن ركنت هذه الدول جانباً كلَّ تناقضاتِها لحماية مصالحها الاستراتيجية.

لكن لماذا ذكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض السعوديةَ والإمارات تحديداً؟ السبب يكمن في أنهما تملكان بوصلةَ مستويات الإنتاج بفضل طاقتهما الإنتاجية الفائضة، إذ أن بقية الأعضاء لا يملكون مثل هذه الطاقة، إلا بصورة محدودة، أغلبها عند روسيا بحجم نصف مليون برميل يومياً فقط، مما يعني أن مستويات الإنتاج والأسعار ستحدد في كل من الرياض وأبوظبي. ما يهم الآن يتعلق بمعدلات الأسعار المستقبلية وبأي اتجاه سوف تسير؟

يبدو من حديث «جين ساكي» أن الإدارة الأميركية توصّلت إلى تفاهمات مع مجموعة «أوبك+»، وهو ما دفع المجموعة يوم الخميس الماضي إلى الموافقة على المضي قدماً في زيادة إنتاج النفط المخطط لها في يناير والبالغة 400 ألف برميل يومياً، وذلك بعد أن ترددت أنباء عن عزمها إلغاء هذه الزيادة، مما يعني أنه سيكون هناك سقف محدد لأسعار النفط في الفترة القادمة، ربما يتراوح بين 70 و75 دولاراً للبرميل والذي قد يكون مناسباً للمنتجين والمستهلكين على حد سواء.

إلا أنه ربما يكون لعوامل السوق والمضاربين رأي آخر، إذ من المتوقع أن يرتفع الطلب على النفط بصورة كبيرة في الأشهر القادمة، خصوصاً إذا ما تمت محاصرة التحور الجديد للفيروس، مما قد يؤدي إلى تجاوز مستويات الطلب الطاقةَ الإنتاجية الفائضة لدي «أوبك+» والتي تتراوح بين 4 و5 ملايين برميل يومياً، مما قد يدفع الأسعار إلى مستويات أعلى بكثير من التفاهمات التي تمت بين الأطراف المعنية.

ومثلما تناست الدول المستهلكة كل تناقضاتها وخلافاتها وتكتلت لخفض الأسعار، فإن على دول «أوبك» أن تتناسى كل تناقضاتها وخلافاتها للدفاع عن أسعار عادلة لبرميل النفط، فالتفاهمات مسألة جيدة بصورة عامة، إلا أن إدارة الرئيس بايدن تواجه مصاعب اقتصادية عديدة، وبالأخص ارتفاع أسعار البنزين ومستويات التضخم المرتفعة التي هوت بنسبة مؤيدي الرئيس إلى مستويات متدنية وأضحت تهدد وضع المرشحين من «الحزب الديمقراطي» في الانتخابات النصفية في شهر نوفمبر من العام القادم.

لذلك، فإن أوضاع الاقتصاد الأميركي الغامضة ربما تدفع إدارة بايدن إلى لالتفاف بغرض الخروج من نطاق هذه التفاهمات للتأثير في الأسعار، وهو ما يتطلب مراقبة دقيقة لمستويات العرض والطلب في سوق النفط العالمية، فأي سعر يقل عن 70 دولاراً للبرميل سيعتبر غير عادل وغير مناسب للمتطلبات التنموية لمجموعة «أوبك+».

*خبير ومستشار اقتصادي