تزدهر تجارة الأسلحة العالمية تحت كل الظروف والمعطيات، ولا توجد دولة تصدّر معدات عسكرية أكثر من الولايات المتحدة الأميركية، حيث ارتفعت حصتها في مجال تصدير الأسلحة عالمياً إلى 37% خلال السنوات الخمس الماضية وفقاً لبيانات معهد أبحاث ستوكهولم الدولي في السويد. وتذهب نحو نصف صادرات الأسلحة الأميركية 47% إلى الشرق الأوسط، وتبيع الولايات المتحدة الآن الأسلحة لـ 96 بلداً حول العالم.
كما تقوم إدارة الرئيس «بايدن» بدورها في مراجعة سياسة نقل الأسلحة التقليدية (CATP)، والتي تحوكم تصدير الأسلحة التقليدية، والتي تمّ تصميمها لتخفيف قيود التصدير بصورة متواترة، وهي مراجعات تلعب دوراً محورياً في مدى التزام الولايات المتحدة بمعاهدة تجارة الأسلحة (ATT)، والتي تعدّ الأداة العالمية الوحيدة التي تهدف إلى تحسين الشفافية والمساءلة في تجارة الأسلحة الدولية، مع خطورة تحول الأسئلة الصعبة المتعلقة بسياسة تصدير الأسلحة إلى مسائل قانونية، في حين تستمر الولايات المتحدة بالسماح لواضعي السياسات بموازنة جميع العوامل ذات الصلة، وهم الذين لا يتم تقييدهم بمعاهدة تجارة الأسلحة.
وبما أن واشنطن تعتبر تصدير الأسلحة جزءًا مهمًا من سياستها الخارجية والأمنية فهي تصدر الأسلحة لتكوين صداقات وتحالفات وتكتلات تمثل ردعاً استراتيجياً استباقياً للحفاظ على النفوذ والهيمنة، ولو بالتناوب مع باقي القوى الكبرى، والتعاون مع الشركاء في العمليات العسكرية والدبلوماسية والتلويح بالقوة العسكرية لخدمة أجنداتها ومشاركة الغير تكاليف ما تقوم به ووضع تسعيرة لكل مكسب يحققه الغير أو تهديد يبعده عن نفسه بالتعاون معها.
وتشكل مصلحة الأمن القومي - والتي تشمل الأمن الاقتصادي- الركيزة الأهم في الموازنة في قبول خطر وقوع الأسلحة في أيدي منتهكي حقوق الإنسان، وتوزيعها على الجهات الفاعلة التي تقوّض المصالح الأميركية، وذلك لكون الأولوية للعوائد الاقتصادية ومزايا المعاملات التجارية مع الحلفاء والشركاء، والذي يمثل محركاً اقتصادياً حيوياً لأميركا لمواجهة التحديات مع المنافسين الرئيسين. ولهذا نرى ما نراه من سياسات أميركا في إيران، وتايوان، وأوكرانيا، والهند، وفيتنام، واليمن، وسوريا، والعراق، وإثيوبيا، والسودان، وغيرها من الدول في مختلف القارات، وإعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية ولوبي الأسلحة المؤثر في الحياة الأميركية السياسية، وغضّ البصر عن اعتبارات حقوق الإنسان وتدمير الدول في صفقات الأسلحة التي تقوم مقام الحروب بالوكالة، ولكن ما هو الجديد تحت إدارة بايدن؟! 
في عهد بايدن سيتم فحص المتقدمين للحصول على الأسلحة الأميركية ومراقبة الاستخدام النهائي لها، وتلك الصرامة ستكون مطّاطة حسب الموقف والدولة والمنطقة، وستقوم الولايات المتحدة بالتصديق على معاهدة تجارة الأسلحة، وعزل الوسطاء الذين يمكنهم توزيع هذه الأسلحة للجهات غير المرغوب بها، مما قد يقلل من الخيارات الاستراتيجية للولايات المتحدة في عصر المنافسة والمواجهة الاستراتيجية الشاملة.
كما سيكون هناك تباطؤ وانخفاض في عمليات بيع الأسلحة الأميركية للعملاء الدوليين وهو ما سيستفيد منه حتماً كل من روسيا والصين، وذلك لسد الفجوة التي سيخلّفها انخفاض مبيعات الأسلحة الأميركية، وكيف ستعوض الولايات المتحدة هذا النقص في أحد أهم أدوات السياسة الخارجية لها؟ وهو ما سيدفع صناعة الأسلحة الأميركية لأبعاد جديدة من خلال دفع الابتكار الجديد، وخلق وظائف وخيارات لاستبدال التسلّح التقليدي.
ومن جهتها لن تستطيع الدول المتعاملة مع أميركا تركها والاعتماد على الأسلحة الصينية والروسية والأوروبية، وهذا مستبعد لاعتماد تلك الدول على أنظمة قابلة للتشغيل البيني بأسلحة أميركية وأنظمة متطورة، وستعيد أميركا استثمار نسبة كبيرة من أي صفقة أسلحة في اقتصاد الدولة. وتشير الأبحاث الاقتصادية إلى أن تكلفة الفرصة البديلة للاستثمار في مبيعات الأسلحة هي نقص الاستثمار في جوانب مثل التعليم، والرعاية الصحية، والبنية التحتية، والطاقة النظيفة، والبرامج الأخرى التي ستخلق وظائفاً أكثر من الإنفاق العسكري.
وفي حين أن هناك بالتأكيد بعض المكاسب الاقتصادية من مبيعات الأسلحة إلّا أنها أصغر مما تم تصوره في البداية، وستكون الفائدة الأولى من خفض مبيعات الأسلحة هي زيادة المرونة والفاعلية الدبلوماسية والمعرفية والاقتصادية. 

كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات