تريندز للبحوث والاستشارات من الأهمية بمكان أن يكون التسامح قيمة محصّنة بقوانين تجرّم الكراهية والعصبية والعنف والتطرف، وتتبنى التقارب بين الشعوب ليس منا من ينكر أن التسامح قيمة إنسانية عالمية تؤسس لعالم يسوده الخير والمحبة والاستقرار والرخاء، فهو من الركائز الأساسية في نهضة الأمم واستمرار ازدهارها، بل هو ضمانة أساسية لاستقرارها واستدامة التنمية فيها، حملته الأديان لكل بني الإنسان، وساد في حضارات، وترعرع في ثقافات، ويستمر هدفاً خلاقاً تنشده الأمم كافة، ويسعى إلى الحفاظ على حيوية جذوته كل المدركين بأن العيش في هذا الكون للجميع، وأن الاختلاف والتعدد هو ضرورة اجتماعية ومصدر للثراء المعرفي وسبب للارتقاء والسمو.

ولسعة ما يختزنه التسامح من عمق إنساني، فلا غرابة في أن يراه البعض قائماً بذاته على منظومة أخلاقية متكاملة، تحتوي على مجموعة من القيم الكونية، كقيمة التعايش، وقيمة التقبل للآخرين، وقيمة الاحترام المتبادل مع المختلف فكرياً وثقافياً في المجتمع، وهذا ما يكسو مفهومه بعداً معرفياً ومجتمعياً، ترتبط سيرورته بثقافة تمدُّه بالحيوية والنماء والديمومة السليمة، إذ قد تُصنَّف ثقافة التسامح والقيم المتصلة بها ضمن القيم الأخلاقية المرتبطة بالضرورات الإنسانية لنبذ ما لدى البشر من استعداد للتنافر والعداء، ولنشر المحبة والسلام.

وإذا قبلنا التسامح الإنساني بوصفه قيمة أو مفهوماً يختزن قيماً نبيلة، فإن نشر ثقافته وترسيخ أسسه وتعزيز تنميته في المجتمع يتطلب جملة من المقومات التي تُبنى على مضمونها الأجيال، وتتشابك معها مختلف مكونات منظومة التنشئة والتربية والسلوك المجتمعي، وذلك عبر العديد من القوانين والمبادرات الخلاقة التي تجعل من هذا النهج ثقافة سائدة وأسلوب حياة. فمن الأهمية بمكان أن يكون التسامح قيمة محصّنة بقوانين تضمن قيم الاحترام والمساواة، وتجرّم الكراهية والعصبية والعنف والتطرف، وتتبنى التقارب بين الشعوب، بغض النظر عن لونهم أو عرقهم أو دينهم.

فالقانون الفاعل وتطبيقاته الحاسمة لا يردع المتطرفين عن أفعالهم تجاه الآخرين فقط، بل يربي الأجيال كذلك على أن يصبح احترام اختلاف الآخرين وخصوصياتهم جزءاً من ثقافتهم بمرور الوقت. وللتعليم دور جلي في نشر مبادئ التسامح والتعايش السلمي وخلق التناغم بين المجتمعات، فإدراج التسامح ضمن المناهج الدراسية للطلاب يُعد من أكثر المقومات الفاعلة، وقد فعلت ذلك إحدى الجامعات في الإمارات، حين طرحت أول برنامج من نوعه في العالم، ينمي لدى الطلبة القدرة على فهم الثقافات والحضارات والأديان المختلفة واحترامها، ليكونوا سفراء ينشرون هذه القيم في مجتمعاتهم ويسهمون في مد جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وفي سياق موازٍ، لا يمكن إغفال أن المعرفة هي الجامع لمختلف تلك المقومات، فهي بتنوّعها وانعتاقها من التعصب تمنحنا الأمل، وترشدنا إلى إنجاح سبل نشر ثقافة التسامح، وابتكار سبل جديدة، وهذا ما يؤمن به مركز «تريندز»، ويعمل على تعزيزه بنشر معرفة مبنية على البحث العلمي الرصين، إيماناً يتوازى مع إيمانه بأدوار مختلف المؤسسات المعنية بنشر المعرفة، التي إن أحسنت الأداء تكاملت دورة الفعل، ليس في نشر التسامح فحسب، بل في تأصيله أيضاً.


مركز تريندز للبحوث والاستشارات