هناك مؤشر واضح على الاستدارات الكاملة في العالم، وفي الإقليم، وهو الذي كان يحمل اسم «الشرق الأوسط» ليتحول أيضاً إلى اسم جديد يعكس التغيرات فيه، ويصبح «شرق المتوسط».
هذا التغير في أولويات اللاعبين الكبار في مصادر الطاقة من البترول إلى الغاز، لو اعتمدناه كمعيار جديد لفهم متغيرات السياسة في «الشرق الأوسط سابقاً» ربما استطعنا الوصول إلى تفسيرات فيها منطق أكثر من القراءات التقليدية القديمة التي تصلح لعالم الأمس.
قطر، التي تحكم علاقاتها مع إيران تشابكات مشدودة إلى أقصاها على وتر المصالح تشترك مع جارتها الشمالية بأكبر حقل غاز في العالم على الإطلاق، تسمية الحقل نفسها تعتمد على زاوية رؤية الدوحة وطهران: هو «حقل الشمال» بالنسبة لقطر، وحقل «الجنوب الفارسي» بالنسبة لإيران!
في شرق البحر المتوسط، تلك الزاوية التي تعج بالدول والأزمات التاريخية، الوضع يصبح أكثر تعقيداً، فنحن أمام تداخل معقد ومتشابك من الأبعاد القانونية والسياسية والاقتصادية والأمنية مما يجعل شرق المتوسط منطقة قابلة للاشتعال السريع، خصوصاً أمام عدم الجاهزية القانونية لاستثمار الثروات هناك أولاً، كما أن اتفاقيات ترسيم الحدود التي كان يفترض أن تضبطها اتفاقيات القوانين والمعاهدات الدولية، كانت دوماً معلقة لتصبح مشكلة حقيقية شديدة الخطورة اليوم.
الكل أمام مشروع غاز محتمل وضخم مؤهل ليكون كبيراً ومؤثراً، مما يعني إعادة قراءة المواقف وربما ابتكار الاستدارات السياسية في تلك المواقف حسب المصالح لتلك البلدان، مصالح بحاجة إلى ترسيم على مقياس مسطرة حقول الغاز في شرق المتوسط، التي ترجحها تقديرات بحجم يفوق 120 تريليون متر مكعب، غير وجود احتياطي نفط، نعم نفط، بحجم 107 مليارات برميل قابل للاستخراج.
هذه أرقام تعني أننا أمام أكبر احتياطي غاز فعلياً في عالم يتحول نحو الغاز كمصدر طاقة، وهذا الاحتياطي قريب جغرافياً من أكبر سوق موحد للاستهلاك المباشر وهو القارة الأوروبية!
غاز شرق المتوسط جغرافياً تتشارك فيها إسرائيل ولبنان وتركيا وسوريا ومصر واليونان وقبرص، في داخل الملفات قبرص بشمالها وجنوبها، وقطاع غزة (الأفقر والأكثر بؤساً بين الكيانات التي تشرف على حقول غاز ضخمة) وعلاقة القطاع بالضفة الغربية، مستقبل كل تلك الجغرافيا يأتي على ضوء المعطيات الجديدة، ودول على الحافة مثل الأردن والعراق، التي ستنتقل من مناطق عازلة، إلى مساحات تواصل ونقل حيوية.
الغاز، أصبح الكلمة المفتاحية لفهم كل ما يدور في عالم العلاقات الدولية المتشابك والمعقد فيما كان يسمى الشرق الأوسط، الذي كانت كلمته المفتاحية «النفط» صار اليوم (شرق المتوسط) الوارث الشرعي لكل إرث الأزمات الإقليمية الثقيل، واللاعبون فيه هم الجميع، لا دولاً وحسب، بل وشركات تندمج وتتحالف وتدرك حجم التغيرات الهائلة في عالم العلاقات الدولية وتكنولوجيا ثورة المعلومات التي أصبحت تخلق أسواقاً موازية، قادرة على تغيير اللعبة كلها، لا فكفكة قواعدها فقط.
كاتب أردني مقيم في بلجيكا