أتت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، إلى تركيا يوم السادس والعشرين من شهر نوفمبر 2021، ضمن حراك دبلوماسي نشط، وبعد زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي لسوريا، وزيارات سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني، وقمة العلا في السعودية للمصالحة بين دول المقاطعة ودولة قطر. والتوقيع على معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، إلى جانب الحوار التركي المصري، وبعد أن اتضحت خسارة الرهان على «الإسلام السياسي»، وفي مقدمته «الإخوان» الذين حرضوا على هذه التحركات والزيارات.
وبالطبع فقد لاقت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ترحيباً كبيراً واستقبالاً غير مسبوق، من الرئيس رجب طيب أردوغان والشعب التركي ككل. ردود الفعل الإعلامية والسياسية حول الزيارة أبرزت أهمية الثقل السياسي والاقتصادي لدولة الإمارات والدور المحوري الذي تؤديه لصالح تعزيز السلام وإحلال الأمن في المنطقة. وكان توقيع دولة الإمارات معاهدةَ السلام التاريخية مع إسرائيل بمثابة تتويج للدور الإماراتي في دعم السلام والأمن والاستقرار في العالم، وقد جسّد حقيقة أن دعاة السلام يتغلَّبون دائماً على دعاة الحرب على مدار التاريخ، كما زاد من تكريس واقع الدولة كحاضنة للسلام.
وقد انعكست آثار الزيارة إيجاباً على العلاقات بين البلدين، إذ انتهت بتوقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم، إلى جانب إعلان الإمارات تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا، وبما يعزز المصالح المشتركة والاعتماد المتبادل والتبادل التجاري والاستثماري، إضافة لاستثمارات الإمارات في تركيا، والتي قُدرت في عام 2019 بنحو تسعة مليارات دولار.
وقد وصف سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، المباحثات التي أجراها مع الرئيس التركي بأنها كانت «مثمرة»، وأعرب عن تطلعه إلى «فتح آفاق جديدة وواعدة للتعاون والعمل المشترك يعود بالخير على البلدين، ويحقق مصالحهما المتبادلة وتطلعاتهما إلى التنمية والازدهار».
توقيت الزيارة جاء ضمن تحولات دولية وإقليمية، جيوسياسية، في سياق لا يقين سياسي فيه؛ من سياسة المهادنة للرئيس جو بايدن لجهة الدفاع عن حلفائه في المنطقة، إلى تأثيرات كورونا على النظام الدولي والإقليمي.. مما يستدعي بحث الجميع عن رافعة جديدة تؤمّن المجتمع الإقليمي للشرق الأوسط الذي يرتبط بعوامل ثقافية نوعية وتماثل اقتصادي وجوار جغرافي يجعله أكثر تجانساً، لو التزمت إيران وتركيا بمبادئ حسن الجوار، وسلكت أسلوب الحوار والنهج السلمي مع جوارها الجغرافي، وتعاونت على كبح جماح المليشيات العابرة للحدود. إن تحقق ذلك فسيوفر الجهد والمال والإنسان، مما يشجع الأطراف على وضع رؤى إقليمية مشتركة لتشكيل «منظومة أمن وتعاون إقليمي»، وإن بدأت بمجموعة صغيرة لتستكمل لاحقاً، وستكون من بينها دولة إسرائيل. وذلك لا ينتقص من حقوق السيادة لأية دولة، ومنها حقوق الشعب الفلسطيني، بل سيساهم في دفع المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وصولاً إلى «حل الدولتين» الذي سيسهم أيضاً في تسريع جميع عمليات السلام الأخرى في الشرق الأوسط، بما يحفظ الأمن الإقليمي والاستقرار والسلام.
لقد دخلت دولة الإمارات على خط الأزمة اليمنية لمناصرة الشرعية، ولدعم قرار مجلس الأمن الدولي، ولردع العدوان الحوثي الذي ينفذ أجندةً خارجية. والإمارات بتجربتها في الحرب وتداعياتها، هي الأكثر تقديراً لمقتضيات السلام، والأكثر استعداداً للقيام بدور المسهِّل، وللمشاركة في تأسيس منظومة السلام الإقليمية.. لأنه بدون وجود أمن جماعي وبدون إنهاء الصراعات في المنطقة، لن يكون هناك استقرار، وهو ما يتطلب إجراء حوار أمني يضم دول المنطقة وإيران، وتسوية كل الأزمات القائمة. 

سفير سابق