الأمم العظيمة هي التي تعرف أسباب عظمتها ورفعتها وتقدرها حق قدرها، فتحافظ عليها وتحيي معالمها، وترفع ذكرها حتى تبقى سائرة مستمرة في الأجيال اللاحقة تلهم هذه الأجيال وترسخ فيها حب الوطن وتزيدها حماسة وحيوية لمتابعة الخطى والسباق إلى أبعد آفاق المجد.

وعرفاناً من قيادتنا الرشيدة فقد خصصت يوماً مميزاً وجعلته مضيئاً يُجدد ذكرى الشهداء الأبرار، والصفوة الأخيار الذين قدموا أغلى ما يملكون لرفعة هذا الوطن وصيانته، ونشر الأمن والاستقرار في ربوعه، ليتابع مسيرة البناء والريادة بكل أمان واطمئنان، وأبناء الوطن جميعاً يعلمون أن هذا الوطن له سياج منيع وسور صلب رفيع، لا يمكن أن يطمع فيه الطامعون، أو يفكر في اقتحامه وتعكير صفوه أو توقيف ازدهاره وصدارته الحاقدون أو الحاسدون.

إن سياج هذا الوطن أبناؤه البررة الذين أقسموا أمام الله ثم أقسموا أمام قيادتهم أن يكون ولاؤهم وإخلاصهم لهذا الوطن، وأن يكونوا درعه الحصين وسياجه الأشمّ المتين، إنهم أبناء القوات المسلحة والأمن، إنهم العين الساهرة واليد الطويلة القادرة على ملاحقة كل غدّار أو ماكر يريد بهذا الوطن سوءاً أو شرّاً، فهم على الدوام بالمرصاد، وهم له قبل الوقت جاهزون في الميعاد. ولهذا أنجبتهم الأمهات الفاضلات والآباء الفضلاء، وعلى هذا ربَّاهم القائد الفذّ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، وقد شبَّ وترعرع واحداً منهم قريباً إليهم، فهم في قلبه وهو في قلوبهم، ولقد أحسن هذا القائد الفذّ تربية هؤلاء الأشاوس، ربَّاهم على قيم الوطن، ولتحقيق آمال هذا الوطن وطموحاته في كل الميادين، فهم في السِّلم رحمة وعطاء في كل مكان، وفي الحرب بأس وشدة على الخصوم والأعداد أينما كان هؤلاء الأعداء.

لقد ملأهم، حفظه الله، بالقيم الإنسانية الرفيعة، ليكونوا في مستوى العلم الشامخ الذي يرفعونه عالياً: «بِيضٌ صَنائِعُنا، خضرٌ مَرابعُنا»، فهم اليد الحانية التي تفيض إنسانية وعطاء حيثما حلّوا، وقد شهد لهم بذلك الصديق والعدو، وهذه هي سيرتهم منذ أن تأسس هذا الجيش العتيد على يد القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، فلم يكن لهم مشكلة إنسانية مع الخلائق حيثما حلّوا، بل دائما هم الملاذ الآمن لكل الشعوب التي حلّو فيها، كما حصل في لبنان وكوسوفو وأفغانستان وغيرها، إنهم الدواء والشفاء والعطاء، والتواصل ونشر الأمن وحماية الخائفين دون التفريق بين البشر لعرق أو دين أو ثقافة، فصاروا بذلك النموذج.

وفي الجانب الآخر فإن هذه النخبة المصطفاة من أبناء هذا الوطن قد أصبح لهم صيت وسمعة يسيران شرقاً وغرباً، لشجاعتهم ومهارتهم، أما الشجاعة فتسللت إليهم من الآباء والأجداد، وزاد في وهجها وسعتها وفنونها القائد المقدام الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، الذي يلهب حماستهم في كل مناسبة.

وأما المهارات فإن القائد الفذ الذي يرعاهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، فتح لهم أبواب المهارات المتطورة من حيث انتهى الآخرون، وذلك لأن مفاهيم الحروب والدفاع عن المصالح والأوطان تغيّرت، وبدأ عصر جديد مع حروب التكنولوجيا والفضاء والمخترعات الحديثة التي تعتمد الذكاء والإبداع، ومن مَلك هذه الوسائل الحديثة فهو المتفوق في ميادين الدفاع، والفائز في مواطن النزاع.

وغير خافٍ على المراقبين والمتابعين أن جيش دولة الإمارات العربية المتحدة أصبح حاضراً مع أعرق الجيوش العالمية وأقواها، وذلك بتكوينه الحديث وقدراته المتينة وترسانته المتميزة وإسهاماته الحاسمة، فهو يشارك الجيوش العظمى من أوروبا وأميركا وغيرهما من دول العالم في التداريب المتقدمة بعقلية أفراده وضباطه الذين تلقوا التكوين العلمي في الفنون العسكرية الحديثة، بل بأحدث هذه الفنون التي تفوقوا فيها، وهم ممتلئون بمعاني العلم الوطني الشامخ: (سودٌ وقائِعُنا، حُمرٌ مَواضِينا). إن امتداد هذا الجيش العتيد قد أصبح عالمياً بكل المقاييس والأبعاد، وهو آخذ بمزيد من الابتكار العسكري والدفاعي يوماً بعد يوم، إنه قد أصبح السياج الذي لا يُخترق لهذا الوطن.

وإن بناء الدول التي تسعى إلى الأمجاد والقيادة على مستوى العالم لابد أن تدفع تضحيات من الجهد والمال والشهداء بأرواحهم الزكية، وقد قدم جيشنا الأبي هذه التضحية وروح الفداء لهذا الوطن، فصعدت أرواح عزيزة إلى بارئها لتسطر نشيد المجد لهذا الوطن في الأرض وفي السماء، ولتبقى هذه الأرواح مدى الأجيال منارات مضيئة فوق أسوار الوطن تذكر بعظمته وقوته، فمن أراد أن يدخل إليه فليأت من الأبواب المشروعة وإلا فلن يستطيع الدخول ولن يطمع بذلك، فهذه المنارات المضيئة العالية تدل على الأسوار الراسخة التي تحوط هذا الوطن من كل جوانبه وأنحائه، وإن هيبة الوطن من هيبة هؤلاء الشهداء ومكانتهم.

وإذا كان القائد الفذ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، قد سطر أسماءهم في جدار الزمن وأعطاها المكانة العالية في تاريخ هذا الوطن، فإنه قد جعل عنواناً لهذه المكانة العالية والمرتبة الرفيعة السامقة هو (واحة الكرامة)، فأسماؤهم حاضرة فيها ومعانيهم مستمرة، لأنهم بتضحياتهم قد رفعوا اسم هذا الوطن وكرامته عالياً، فكرَّم القائدُ والوطنُ معناهم وذكراهم في (واحة الكرامة)، يستحضر ذلك كل زائر لهذا المكان من المواطنين والوافدين، والرؤساء والمرؤوسين، ويشعر كل داخل لهذه الواحة الندية بمدى العزة والإباء التي يتمتع بها جيش هذا الوطن ورجال أمنه الأوفياء لهذا الوطن وقيادته الرشيدة، ويشعر كذلك بمدى وفاء هذه القيادة الحكيمة وحبّها لأبناء هذا الوطن، وفي طليعتهم هؤلاء الشهداء الأبرار، فرعايتهم في حياتهم وفي استشهادهم وفي أسرهم وأبنائهم حاضرة دائمة، كل ذلك بحنان الأب القائد الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، واحترام وتقدير جميع أبناء هذا الوطن. وأن تخصيص يوم 30 نوفمبر من كل عام يوماً بارزاً في هذا الوطن، يجعل منه محطة استلهام وموقف تكريم واحترام يؤديه جميع أبناء الوطن لهؤلاء الأبطال الأبرار.

إن أرواحهم وذكراهم ستبقى منارات مضيئة على أسوار هذا الوطن العزيز ورفعته تنير دروب العزة والمجد.  هذه الذكرى هي تجديد للعهد والميثاق بين الجيش البنّاء المتفاني بالحب والولاء، وقائده الذي يحوطه بالرعاية والتكريم الموصول المستمر، فالرحمة والدعاء لأرواح هؤلاء الشهداء.

وحفظ الله باني هذا الجيش العتيد والساهر على أمن هذا الوطن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، وحفظ هذا الوطن وجيشه الأبي، نبراساً للقيم وموئلاً للأمن والتقدم والازدهار.

المستشار الدكتور فاروق محمود حمادة*

* المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي.