30 نوفمبر من كل عام هو يوم وطني تفوح منه رائحة العزة والكرامة، وقوة إرادة وعزيمة الشعب الإماراتي، وما يمكن أن يقدمه من تضحيات ليحيا الوطن وتصان مصالحه، ووقف أي عدوان عليه وردعه قبل أن يصل لأراضي الدولة، ودحض الأقاويل الهزيلة التي يرددها الحاقدون بأننا شعب مترف تعود على نعومة العيش والبذخ، ليكون الرد العملي من خلال بذل الغالي والنفيس لنصرة الملهوف واعتراض مخططات وأهداف الطامعين فينا وفي منطقتنا ككل، والوصول إلى أعلى مراتب التقدم في العلوم والاقتصاد، ونوعية الحياة والخدمات والأمن والأمان الذي يسود كل شبر من أراضي الدولة، وينعكس كل ذلك على ما يحظى به سكان الدولة والزائرين لها من طمأنينة وراحة في بيئة تضاهي أكثر دول العالم تقدماً فيما يقدم بها من سبل العيش الكريم، والاستمتاع بكل لحظة دون منغصات.

ومن جانب آخر، يعد يوم الشهيد تكريماً لأولئك الذين ضحّوا بأرواحهم في أداء الواجب، وهو اليوم الذي تعرب فيه دولة الإمارات العربية المتحدة عن تقديرها لتضحيات الشهداء الذين قدموا أرواحهم دفاعاً عن شرف الوطن، والامتنان للارتباط الحقيقي بين الشعب والقيادة، والشهادة في سبيل الوطن ليست مصيراً قاتماً، بل هي خلود من نوع خاص، ودعوة لكل الأجيال لانتزاع الحياة من الممات والتسامي فوق كل الغرائز العمياء، وهو الرحيل الذي يؤمن من خلاله وصول القادمين لهذه الحياة وترفع له التحية العسكرية، وتسجد له الملائكة في السماء حيث أنه في ظاهر الأمر نحن الأحياء وهم الأموات. أما الحقيقة فهم الأحياء خلف برزخ الدنيا الواهية في حياة أبدية لا نهاية لها، وهم الذين يشفعون لأهلهم كما يشفع الرسل لأممهم كما ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام. والشهيد عندما يرى من فضل الشهادة، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا فيستشهد مرة أخرى.
فنعم نحن نحزن على فقدان إخوتنا وأخواتنا الأحبّاء، ولكننا نحتفل أيضاً بنيلهم منزلة الاستشهاد، وربط كل ذلك بشرف الدفاع عن الدين والوطن والعرض والمال. وبسبب تضحياتهم الغالية ننعم نحن اليوم بالأمن والاستقرار، وسيكون هناك المزيد من الشهداء والتضحيات طالما هناك طامع ومهدّد لمكتسباتنا وأسلوب عيشنا، وإذا كنا لا نسمع اليوم عن هجمات «الحوثي» والجماعات الإرهابية وغيرهم لأراضي الدولة فليس بسبب أنهم لم يحاولوا من قبل، أو أنهم لا يحاولون على الدوام وسوف يحاولون في كل فرصة قد تتاح لهم في المستقبل، ولكن الفضل بعد الله للعمل الدؤوب لقيادتنا الرشيدة والجهات المعنية التي تسهر على سلامة وأمن الوطن وسكان الدولة، ولهذا لم يذهب دم الشهداء سدى من دون مقابل وبدون مردود ملموس. 

فلولا ما بذلوا لتمكن من لا يريد بنا خيراً من الوصول لدرجة جاهزية تمكنه من الوصول لأهدافه في قلب كل مدينة وحي، ونشر الذعر والدمار، ولذلك نحسبهم شهداء عند بارئهم فهم ذهبوا للقتال بنية الدفاع عن دينهم وأرضهم وأسرهم وممتلكاتهم فكتبت لهم الشهادة.
كما أن تنامي القوة الصاروخية البرية والبحرية لحركة «أنصار الله» الحوثية ومن يقف خلفهم بكل قوة، كان مهدداً حيوياً لأمن سلاسل الإمداد والتموين، ووصول وخروج أي منتج من خلال البحر الأحمر من خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة، والبحر الأبيض المتوسط من الجهة الأخرى، وكان وقوع المنطقة تحت يد وسيطرة قوى معادية للدولة يعني التحكم بما يدخل ويخرج من منطقة الخليج العربي، والتحكم بمصير المنطقة وخنقها في عنق زجاجة وهو بمثابة انتحار استراتيجي، فكان لابدّ من التحرّك لمنعه من التبلور وتهديد كل المكتسبات وأسلوب الحياة الذي ننعم به اليوم، ولم يكن تحرّك التحالف العربي بهدف الرغبة في الحرب بقدر ما هي رغبة صادقة لفرض السلام وحق العيش الكريم، وتقرير المصير وعدم النيل من سيادة الأمم وإن لم يكن عن طريق الغزو غير المباشر.


*كاتب وباحث إماراتي متخصص في التعايش السلمي وحوار الثقافات