العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة، والجمهورية التركية علاقات قديمة جديدة، ورغم التباين في وجهات النظر والرؤى والمواقف السياسية أحياناً، فإنه لا يصل إلى حد القطيعة أو الجفاء.

وقد ظلت هذه العلاقة مرآةً عاكسة للأحداث التي طرأت على المنطقة العربية في السنوات الأخيرة بسبب التدخلات الإقليمية والنزاعات السياسية، والتي تتأثر بها دول الجوار العربي، سلباً وإيجاباً، بحكم موقعها الجغرافي وحدودها مع العالم العربي. ولا شك في أن تركيا دولة غير عربية، لكنها دولة جارة وبلد مسلم كبير وقوة إقليمية مهمة ومؤثرة وفاعلة. إن الرابط الديني القوي يقرّبنا من تركيا، فهي الأقرب دينياً وعقائدياً لدول الخليج العربي، كما أنها قريبة في الموقع الجغرافي، وهي قوة اقتصادية مصنِّعة ومصدِّرة ومورِّدة، ومنتجاتها المحلية (الغذائية والصناعية والزراعية..) تغذي العديد من الأسواق العربية. وقد ساهمت الأيدي العاملة التركية الماهرة والمدربة في قيام صناعات تركية متنوعة (خفيفة وثقيلة) وفي نشوء مصانع ومعامل ضخمة.

وهي الأيدي التي أصبح كثير منها يعمل في منطقة الخليج العربي عقب إغلاق أبواب الاتحاد الأوروبي في وجه تركيا، لأسباب معروفة، رغم أن جزءاً من أراضيها يقع جغرافياً داخل أوروبا، فهي تتألف من شطرين؛ آسيوي وأوروبي. وتتمتع تركيا بموقع استراتيجيي مهم في أكثر من اتجاه، وقد منحها خاصية متميزة في المنطقة، من حيث المناخ والطبيعة وتعدد البحار والأنهار وجذب السائحين (ومنهم الخليجيين). وهذا بالإضافة إلى عدد السكان الكبير، والذي أكسب هذا البلد صاحب التاريخ الطويل والحضارات المتعددة، خبرات تجارية وصناعية واقتصادية متطورة.

وربما استفادت أنقرة من عدم دخولها الاتحاد الأوروبي، إذ استقطبت المستثمرين الأتراك وغير الأتراك من دول الاتحاد ومنحتهم تسهيلات مغرية، بما في ذلك الأراضي والقروض الميسرة والإعفاءات الضريبية، مما زاد عدد المصانع في البلاد، وأصبحت تركيا من كبار مصدِّري الصناعات في العالم، بما في ذلك صناعة القطارات والطائرات والسيارات والسفن والأخشاب والمحركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة.. فضلا عن الصناعات الغذائية الحديدية وتكنولوجيا المعدات الزراعية.وتأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى تركيا، بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتقوية العلاقات وتعزيزها وتنميتها وتطويرها، بعد الظروف التي عصفت بالمنطقة خلال ما يسمى بـ«الربيع العربي» الذي أضر بالمنطقة كلها وما زالت بعض الدول العربية تعاني آثاره القاسية.

وتأتي هذه الزيارة لتقرّب بين قطبين إقليميين مهمين في المنطقة، لهما التأثير على القرار الإقليمي والدولي، من أجل إعادة التطور نحو مساره الصحيح، لصالح المنطقة ككل، ومن أجل تقوية العلاقات الثنائية وتمتينها عملاً على بناء مستقبل أفضل.

وقد شهدت المنطقة في الآونة الأخيرة مشاورات واتصالات متعددة باتجاه الانفتاح ومد الجسور بين الدول العربية وجوارها الإقليمي، من أجل حلحلة الخلافات وإنهاء الأزمات وإخماد القلاقل والتوترات، وأصبح هناك تفهم أكثر لضرورة المصالحة والانفتاح، وفتح صفحات جديدة مرتبطة ببعضها البعض، وذلك أساساً لمصلحة الدول والشعوب التي تعاني اضطرابات سياسية وتدهور اقتصادي وتراجع تنموي بسبب الإرهاب الذي يتعين تجفيف منابعه، إلى جانب جائحة كورونا التي استنزفت العديد من الدول في المنطقة. ومن هنا تأتي أهمية هذه المبادرات والزيارات من جانب الزعماء والقادة، عملاً على ترسخ مسار السلم والتسامح والسلام.

*كاتب سعودي