مؤخراً، ألمح الرئيس التنفيذي لشركة «تيسلا» إيلون ماسك إلى أنه قد يتبرع بجزء من ثروته لإنهاء الجوع العالمي إذا استطاع «برنامج الغذاء العالمي» أن يوضح على تويتر كيف يمكن لـ6 مليارات دولار أن تحل المشكلة بالضبط. كلامه المستفز وافتراضه أنه يمكنه ببساطة إلقاء المال على الجوع لكي يرحل ينم عن جرأة وشجاعة، ولكن الفكرة قديمة. فعلى مدى الثمانين عاماً الماضية، أسفرت محاولات استخدام الثروة الفردية والمؤسساتية لإنهاء الجوع العالمي عن نتائج متفاوتة للأسف. 
المشكلة بخصوص هذه المقاربة أن الجوع غالباً ما يقدَّم على أنه لعبة أرقام قابلة للتحقيق لإنتاج مزيد من الطعام لعدد أكبر من الأشخاص. وعلى سبيل المثال، ركزت الجهود على خلق محاصيل محسَّنة وإنتاج أكبر من خلال أسمدة أكثر أو سقي أكثر. غير أن التاريخ يُظهر أن العلم لوحده – حتى مع وجود تمويل سخي – لا يمكنه أن يحلّ مشكلة اجتماعية وسياسية واقتصادية مثل الجوع. 
في منتصف القرن العشرين، بدأ علماء ومحسنون ومسؤولون حكوميون التفكير في كيفية معالجة مشكلة الجوع، وشرحوه بوصفه مشكلة مستعصية تصيب بلداناً فقيرة في حاجة إلى المساعدة التقنية. ونظروا إليه باعتباره موضوع مساعدات تنموية، ما دفع الحكومات للتفكير بشأن حل الجوع على نطاق كبير. ففي 1943، على سبيل المثال، أنشأت الحكومة المكسيكية ومؤسسة روكفيلر بشكل مشترك «البرنامج الزراعي المكسيكي» لبحوث المحاصيل والتداريب الزراعية. وفي وقت لاحق، في 1960، أُنشئ «المعهد الدولي لبحوث الأرز» في الفلبين. 
هذه الجهود أصبحت جبهة مهمة في الحرب الباردة، في وقت حاولت فيه الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي استخدام المساعدات الغذائية في جهودهما لمعالجة الجوع على المدى القصير والفوز بالقلوب والعقول – والمعد - في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. 
وفي 1969، اجتمع 24 فرداً مهتماً بهذه المواضيع في بيلاجيو، بإيطاليا، لمناقشة سبل إنهاء الجوع العالمي. وبعد سنوات على ذلك، اعتبرت دورية «نيتشر» ذلك اللقاء أحد الاجتماعات التي غيّرت العالم. ستة عشر من المشاركين كانوا زعماء وكالات كبيرة للمساعدات الخارجية تركز على التنمية الزراعية، والثمانية الآخرون كانوا مستشارين في «علم إنتاج الطعام». جميعهم كانوا رجالاً، وجميعهم تقريباً كانوا من «شمال الكوكب» من بلدان مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وانجلترا. 
أمس مثل اليوم، كان العالم يواجه أزمة عالمية وشيكة لإنتاج الطعام. ولكن الشبح الوشيك وقتئذ لم يكن تغير المناخ، وإنما خوف كبير من عالم «مكتظ بالسكان». وكان مصدر القلق هو سيناريو انهيار العالم جراء نمو سكاني غير مكبح في الجزء الجنوبي من كوكب الأرض. «القنبلة الديمغرافية» لم تنفجر أبداً، ولكنها دفعت منظمات كثيرة آنذاك للتحرك، سواء من أجل إبطاء النمو السكاني أو تطوير حلول زراعية لإطعام أشخاص أكثر.
وبعد بيلاجيو، اجتمعت العديد من المنظمات المشاركة نفسها - مثل البنك العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبنك التنمية للبلدان الأميركية، ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إلى جانب مؤسسات روكفيلر وفورد وكيلوغ – من جديد، وشكّلت في 1971 «المجموعةَ الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية» بهدف طموح هو إنهاء الجوع. 
«المجموعة» أتاحت التبادل الحر للبحوث، ودورات تطبيقية للمزارعين، وتدريباً للأجيال الشابة من علماء المحاصيل. وشملت مهمتها الجوهرية تحسين إنتاج المحاصيل وتوفير بذور أحسن للمزارعين عبر العالم. 
وأظهرت هذه المقاربة نجاحاً فورياً. إذ تضاعف حجم المحاصيل في المناطق التابعة لهذه المراكز، وتدفق تمويل المساعدات الدولية من أجل مزيد من البحث الزراعي. وأدمجت «المجموعة» أو بنت مزيداً من المراكز، حتى بلغت ما مجموعه 20 تقريباً على الصعيد العالمي بحلول التسعينيات. 
وكانت هناك نجاحات كبيرة، ولكن كانت هناك أيضاً أخطاء جسيمة. ذلك أنه في البداية، لم تستهدف هذه الجهود النساء، اللاتي يشكلن أغلبية مزارعي العالم، ولم يكن ممثَّلات في برامج المزارعين. كما أن التركيز الشديد على إنتاج مزيد من الحبوب – القمح والذرة والأرز – كان كثيراً ما يترك المناطق الفقيرة أكثر ضعفاً وهشاشة إزاء لتغيرات المناخية ومع محاصيل أقل تنوعاً. 
بيد أنه رغم كل نجاحات «المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية» في زيادة إنتاج المحاصيل، إلا أن الجوع ظل موجوداً. وهناك عدة أسباب لذلك: ومنها أن العديد من المبادرات المبكرة المدعومة من قبل البحث العلمي – على سبيل المثال البذور التي تعطي غلة أكبر – حفّزت المزارعين الكبار لتطوير محاصيل مخصصة للتصدير، ما ترك المزارعين الفقراء من أصحاب القطع الأصغر في وضع أكثر هشاشة. وكان ذلك يعني أيضاً أن الطعام الذي يُزرع داخل بلد ما لم يكن يصل بالضرورة إلى الأشخاص الجائعين داخله. وعليه، فإن الجوع لم يكن مسألة محاصيل فحسب، وإنما مسألة توزيع عادل للطعام الذي يُزرع محلياً. 
وبينما تبلغ «المجموعة» عامها الخمسين هذا العام، من المهم النظر إلى الجوع باعتباره أكثر من مشكلة تقنية يمكن حلها من خلال التقدم العلمي فقط. وبمناسبة هذه الذكرى، التقت مجموعة من نحو أربع وعشرين خبيراً مؤخراً، مرة أخرى في مركز بيلاجيو على ضفاف بحيرة كومو. ومن بين الذين شاركوا فيها حضورياً وافتراضياً كان هناك بعض من زعماء العالم في الزراعة الاستوائية والاستدامة الغذائية، وناشط رقمي يمثل المزارعين الصغار، ومستشار لرئيس دولة أفريقية، ومتخصص في المياه، وفائز سابق بـ«جائزة الغذاء العالمية»، ورئيس سابق لمؤسسة روكفيلر. 
وخلافاً لـ1969، ضمّت هذه المجموعة نساء، وأشخاصاً ملونين، ومندوبين يشتغلون على الجزء الجنوبي للكرة الأرضية وينتمون إليه. كما ضمّت مؤرخين – أنا واحد منهم – يستطيعون التحدث بشكل نقدي حول الجهود السابقة. ومع وجود أشخاص جدد حول الطاولة، قد تظهر طرق تفكير جديدة. ذلك أننا لن نستطيع إعادة صياغة طريقة فهمنا للجوع ومعالجته إلا من خلال تغيير نظرتنا له، فالوصول إلى الطعام حقٌّ إنساني لا يمكن حلّه إن قورب باعتباره مشكلة تقنية فقط – والأكيد مشكلة لا يمكن أن يحلها إيلون ماسك لوحده. 

غابرييلا سوتو لافيجا
أستاذة تاريخ العلم بجامعة هارفارد 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»