من المعلوم أن البناء الاقتصادي لصناديق الثروة السيادية يقوم على قاعدتين أساسيتين، حيث تتمثل القاعدة الأولى في ضمان الكفاءة في استثماراتها المحلية والدولية. فالفوائض المالية التي يحققها اقتصاد ما وتُبنى بها أصول هذه الصناديق، يتعين أن تستثمر في أنشطة مرتفعة العائد ومتنوعة القطاعات ومنخفضة المخاطر. أما القاعدة الثانية فهي أن الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة في هذه الفوائض المالية يقتضي المراعاة التامة لمبدأ الاستدامة في توظيفها.

فليس كافياً أن يرتفع العائد على استثمارات الصناديق السيادية، فالجوهر دائماً هو تنمية أصولها والمحافظة عليها من التآكل عبر فترة ممتدة من الزمن. والواقع الراهن للصناديق السيادية في الاقتصاد العالمي يشير إلى أنها باتت في مواجهة صريحة مع تحديات اقتصادية متفاقمة، محلية ودولية، وأصبحت إزاء توجهات جديدة في بيئة الأعمال العالمية.

وهذه التحديات وتلك التوجهات لا تستدعي فقط تغييراً في أساليبها وسياساتها الاستثمارية، بل هي كفيلة بإعادة تشكيل بنائها الاقتصادي برمته، لتواجه ما يمكن تسميته بالعصر الجديد في بيئة الاستثمار العالمية.

فمن عمق التقلبات المالية والنقدية في الأسواق الدولية وما يرتبط بها من مخاطر، مروراً بتنامي حدة المنافسة في بيئة الاستثمار العالمي، وما يترتب عليها من ضيق الفرص أمام المستثمرين، وبالتركيز في استثمارات محدودة التنوع والمرونة وما يفضي إليه من تراجع مطرد في العوائد، تمثل في مجموعها سلسلة طويلة من التحديات الرابضة في طريق الصناديق السيادية.

كما أن نشوء توجهات استثمارية عالمية جديدة، مثل الاتجاه الواضح ناحية الاستثمارات الخضراء، والتحول السريع في شكل وطبيعة السيولة الدولية والأسواق المالية العالمية، والتسابق إلى حد الصراع على الموارد الطبيعية، ولاسيما في أفريقيا - كل ما سبق يستدعي إعادة النظر في استراتيجيات الاستثمار للصناديق السيادية.

على أن التحديات والتوجهات التي ترسم ملامح العصر الجديد الذي ينتظر الصناديق السيادية لا تعني بالتأكيد أن هذه الصناديق مدعوة لتغيير وتعديل أهدافها الأساسية التي أنشئت من أجلها، بل المطلوب هو أن تعمل بكفاءة وفاعلية على دعم قدراتها الذاتية في مواجهة هذه التحديات، والمواكبة المنضبطة لتلك التوجهات العالمية الجديدة، فكيف السبيل إلى ذلك؟

انطلاقاً من الرؤية السابقة، فإن تنمية القدرات الذاتية للصناديق السيادية تعتبر مفتاحها الأساسي لأبواب العصر الاستثماري الجديد، وإذا كان عماد أي صندوق سيادي هو رأسماله البشري، بما لديه من معارف متعددة الأبعاد، وبما يملكه من مهارات متطورة وملائمة، فهناك ضرورة مُلحة للارتقاء المستمر بهذه المعارف والمهارات، لتصبح قدرات هذه الصناديق ذات دقة استشرافية في نظرتها للمستقبل، واستباقية في تحليل واقتناص فرص الاستثمار في الأسواق الدولية.

ورأس المال البشري للصناديق السيادية لن يكتب له النجاح في مهامه الجسام تلك إلا بأن يتكامل معه رأسمال تكنولوجي فائق التطور، وتوافر بيئة عمل محفزة على الابتكار. وعليه، فإن الاستدامة في أصول هذه الصناديق مردها إلى الاستدامة في رأسمالها البشري والمعرفي.

*تريندز للبحوث والاستشارات