يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي في طريقها لتجاوز عقبتين رئيسيتين حدَّتا من نموها خلال السنتين الماضيتين وحالتا دون تحقيق العديد من البرامج والمشاريع التي وُضعت سابقاً. وتكمن الأولى في التقدم السريع الذي حققته دول المجلس في تجاوز تداعيات جائحة «كوفيد-19»، إذ تقف الآن في مقدمة دول العالم في التعافي من هذه التداعيات، وقد استعادت بعض القطاعات الرئيسية فيها معظم نشاطها السابق، مثل قطاعي السياحة والنقل الجوي، إذ تُقدم «طيران الإمارات» من خلال بياناتها الدورية مؤشراً قوياً على عملية التعافي، بعد انخفاض خسائرها في النصف الأول من هذا العام بنسبة كبيرة بلغت 54%، كما أن تنظيم معرض «إكسبو 2020 دبي» ومؤتمر «أيبك» (2021) بأبوظبي ومعرض دبي للطيران.. كل ذلك يمثل دليلاً آخر على سرعة عملية التعافي.

العقَبة الأخرى التي تركت آثارَها على الاقتصادات الخليجية تتعلق بالانخفاض الكبير في أسعار النفط، العام الماضي، والذي عرَّض الموازنات السنوية لصعوبات إضافية أدت إلى تخفيض الإنفاق وتأجيل بعض المشاريع التنموية وارتفاع العجز في هذه الموازنات.

وفي هذا الجانب تشير البيانات الأولية إلى أن الارتفاعات الأخيرة في أسعار النفط ستكون لها انعكاسات إيجابية كبيرة على الأنشطة الاقتصادية في دول المجلس، وبالأخص زيادة الإنفاق وتقليص العجوزات بنسبة كبيرة، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية عن انخفاض العجز في الربع الثاني بنسبة كبيرة ليصل إلى 4.6 مليار ريال فقط مقابل 109.2 مليار ريال في الربع نفسه من العام الماضي، كما تراجع عجز الموازنة الكويتية بنسبة 94.5% في الأشهر الأربعة الأولى من السنة المالية الحالية، وفق وزارة المالية هناك، إذ يتوقع أن تشهد موازنات بقية دول المجلس انخفاضات مماثلة للعام الجاري 2021.

ويشكّل ذلك تطوراً مهماً للنمو الاقتصادي في العام القادم 2022، وذلك بعد أن تم تجاوز أهم عقبتين تعترضان نمو الاقتصادات الخليجية والتي يتوقع أن تحقق معدلات نمو جيدة في عام 2022 تتراوح ما بين 3 و4%، وأن تقلص دول المجلس إلى الحد الأدنى عجز موازناتها السنوية، وبالأخص تلك الدول التي قامت في السنوات الأخيرة بإصلاحات مالية ساهمت مساهمةً كبيرة في تنمية موارد الميزانية وأوجدت مصادر دخل ثابتة، وهو ما يتيح لها البناء على هذه الإصلاحات في المستقبل لإيجاد اقتصادات أكثر تنوعاً، علماً بأن دول المجلس التي لا زالت مترددة في اتخاذ خطوات الإصلاح المالي ربما تواجه صعوبات إذا ما عادت أسعار النفط للانخفاض مع نهاية 2022، كما تتوقع بعض المصادر، وذلك لأسباب سبق أن أشرنا إلى بعضها في مقالات سابقة.

وفي هذا الجانب، فإن هذه المستجدات تتيح فرصةً ثمينةً لهذه الدول لتفادي مزيد من الصعوبات حال حدوث تقلبات حادَّة في أسعار النفط، فيما تتوفر حالياً لدول الإصلاحات المالية فرصةً سانحةً أخرى لتعزيز هذه الإصلاحات ودعمها بإصلاحات جديدة لضمان وجود قاعدة قوية للبناء الاقتصادي المتنوع.

أما في ما يتعلق بالعقبة الأولى، والتي نجحت دول المجلس في تجاوز معظم تداعياتها، فإن هذا الأمر بحاجة بدوره إلى استغلال التقدم الذي تحقق باتخاذ إجراءات جديدة تدعم النمو، كاعتماد شهادات التطعيم الخليجية، على غرار ما تم اتخاذه بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما سوف يساهم في تنشيط الحركة السياحية والنقل والتجارة بين دول المجلس والتي ما زالت تعاني من بعض العراقيل الناجمة عن تفاوت تعامل دول المجلس مع إجراءات السفر والتنقل فيما بينها، وذلك رغم التقدم الذي حققته هذه الدول مجتمعةً، مما يتطلب اتخاذ خطوات باتجاه تسهيل الإجراءات وتخفيض تكاليف السفر من خلال اعتماد شهادات التطعيم الخليجية وتخفيض تكاليف المسحة الخاصة بالخلو من فيروس كورونا (PCR).

وبذلك يمكن لدول المجلس استغلال هذه التطورات المالية والصحية لتنشيط اقتصاداتها والعودة خلال العام القادم إلى مستويات ما قبل الجائحة، مما سيُعد إنجازاً يمكن البناء عليه للسنوات القادمة.

*خبير ومستشار اقتصادي