تبنّى «كوب- 26» منذ يومين «ميثاق غلاسكو» الذي يسعى إلى تسريع وتيرة مكافحة الاحتباس الحراري، والسؤال الذي يمكن أن يطرحه أي أحد منا: هل نجح هذا اللقاء في تبني قرارات يمكن أن توقف قهر الطبيعة؟ هل تخلت الدول، وبخاصة الدول الصناعية الكبرى الأكثر تلويثاً، عن أنانيتها وفضلت مصالح الأجيال المقبلة على مصالحها الآنية الضيقة؟ الجواب: لا. وأنا أكتب هذه المقالة كنت أتتبع تصريحات الفاعلين والمنظمين لهذا الاتفاق، ومن بين هؤلاء نجد الدولة المستضيفة، ونجد رئيس قمّة «كوب-26»، كما نجد أمين عام الأمم المتحدة وقادة الدول الكبرى في العالم، ونجد العلماء وممثلي المجتمع المدني الذين لا يفقهون شيئاً في عالم الدبلوماسية وتصريحاتهم أقرب إلى الواقعية من الفئات الأولى. لكن حتى الفئات الأولى المعتادة على الخطابات الدبلوماسية لم تخف تشاؤمها من هذا الاتفاق والأنانية التي وصلت إليها بعض الدول.
سمعت كلاماً لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يقول فيه إن «الاتّفاق الذي تمّ التوصّل إليه في قمّة كوب-26 للمناخ خطوة كبيرة إلى الأمام»، لكنّه حذّر من أنّ هناك عملا «كثيراً يتوجّب فعله» في المرحلة المقبلة. واعتبرت المفوّضية الأوروبية أنّ «ميثاق غلاسكو» الذي تبنّته 200 دولة في مؤتمر كوب-26 «أبقى على أهداف اتّفاق باريس حيّة، من خلال منحنا فرصة للحدّ من ظاهرة الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئويّة». وهذا طبعاً كلام دبلوماسي خال من الواقعية، ولا يصف الواقع كما هو.
وألقى رئيس قمّة كوب-26 البريطاني ألوك شارما خطاباً إلى كل المشاركين أراده أن يكون دبلوماسياً: «حان الآن وقت اتّخاذ القرار. والخيارات التي أنتم بصددها ذات أهمّية حيويّة»، لكنه سرعان ما جعل ضميره يتحدث عن الحقيقة المرة ويلخصها في كلمات وهو يذرف الدموع: «أعتذر عن الطريقة التي سارت بها هذه العمليّة. أنا آسف بشدّة»، قبل أن يطرق بمطرقته على الطاولة.
أما الأمين العام للأمم المتحدة فإنه بدبلوماسيته وواقعيته جمع في تصريحه بين واجب تشجيع العالم على المضي قدماً في مجال أخذ تدابير لصالح المناخ، ووصف الواقع السيئ الذي تفرضها أنانية الدول، قائلاً: «الكارثة المناخيّة ما تزال ماثلة، فالمؤتمر العالمي للمناخ انتهى بخطوات إلى الأمام مرحّب بها، ولكنّ ذلك ليس كافياً». 
وفي البيان الختامي أصرت الصين والهند على تخفيف اللهجة المتعلّقة بالوقود الأحفوري، وعارضتا التطرّق إلى أنواع الوقود الملوّثة من أجل استعمال مفردات أكثر ضبابيةً وعموميةً وأقلّ دقةً من المسوّدات السابقة. لكن للأسف هذا لا يبشر بخير.. فالتلوث الناتج عن الوقود الأحفوري عن طريق احتراقه في المصانع والسيارات والطائرات والكهرباء، مسؤول عن واحدة من كل خمس وفيات مبكرة على مستوى العالم، مما يشير إلى أن التداعيات الصحية لحرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي قد تكون أعلى بكثير مما كان يعتقد من قبل.
وذكرت دراسة منشورة في دورية «البحوث البيئية» نقلتها وكلة «رويتز» أن أنحاء في الصين والهند وأوروبا وشمال شرقي الولايات المتحدة ضمن المناطق الأكثر تضرراً، حيث تشكل نسبة مرتفعة على نحو غير متناسب من 8.7 مليون وفاة سنوية يرجع سببها للوقود الأحفوري.
وقدّرت دراسة أخرى أجريت في 2017 أن عدد الوفيات السنوية بسبب الجسيمات المنتشرة في الهواء بالمناطق المفتوحة، التي تشمل الغبار والدخان الناتج عن المحروقات الزراعية وحرائق الغابات، يبلغ 4.2 مليون وفاة.
واللافت للانتباه أنه في الإعلان الختامي لغلاسكو نجد أن الدول الغنيّة تعبّر عن «أسفها العميق» لفشلها في جمع مبلغ سنوي منفصل قدره 100 مليار دولار وعدت به منذ سنوات وبخاصة في اتفاق باريس. وشجعت الدول على دفع المبلغ «بشكل عاجل وحتّى عام 2025». فماذا يعني هذا الكلام؟ إنه اعتراف ضمني بفشل العمل العالمي المشترك، ويبقى ذكاء السياسات الوطنية والسياسات العمومية لكل دولة على حدة في مجال محاربة التلوث هي السبيل الوحيد لإنقاذ ما يجب إنقاذه، وقد تدفع لا محالة دولاً أخرى لتتبع نفس المسار.

أكاديمي مغربي