فتحت الزيارة التاريخية التي أداها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، في التاسع من الشهر الجاري، إلى العاصمة السورية دمشق، باب الأمل مجدداً حول عودة سوريا إلى الصف العربي، خاصة بعد عودة العلاقات السورية الأردنية والترحيب المصري بالزيارة. فبعد مرور عشر سنوات على اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، ظهرت جليةً استحالةُ الحل العسكري، وأصبحت المراهنة أساساً على الحل السياسي، سواء على قاعدة بنود قرار مجلس الأمن رقم 2254 أو انطلاقاً من بعض بنوده فقط، هي المراهنة الوحيدة الممكنة. كما أن خيار «تغيير النظام» لم يعد خياراً مطروحاً. 

لكن بعد أن قطعت الدول العربية علاقتها مع سوريا خلال السنوات الماضية، وعلّقت جامعة الدول العربية عضوية دمشق.. هل يبدأ العرب بالتطبيع مع سوريا؟ ثم ألم يحن وقت عودة دمشق لمقعدها في جامعة الدول العربية؟ وهل تشهد القمة العربية في الجزائر عام 2022 العودة الفعلية لسوريا؟ وماذا عن الموقف الأميركي المعارض للتطبيع مع سوريا؟
لقد جاءت الزيارة تتويجاً لدبلوماسية الإمارات الرامية إلى احتواء الصراعات والأزمات، حيث تطورت السياسة الخارجية الإماراتية تجاه سوريا خلال السنوات الماضية من إعادة فتح السفارة في أواخر عام 2018 إلى توالي الاتصالات بين البلدين بشكل مستمر، بما في ذلك اللقاء بين وزيري نفط البلدين في روسيا، كما كانت دولة الإمارات سبّاقة إلى طرح فكرة رفع الحصار عن سوريا؛ ففي لقاء الشيخ عبدالله بن زايد مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في مارس الماضي، أكد الشيخ عبد الله أن عودة سوريا إلى محيطها أمر لابد منه، مشيراً إلى أن قانون قيصر الأميركي الذي يحظر على أي دولة أو مؤسسة التعاونَ والتواصلَ مع دمشق «يعقّد عودة سوريا لمحيطها العربي». وفي لقاء الشيخ عبدالله بالرئيس السوري أكد على «دعم الإمارات جهودَ الاستقرار في سوريا»، معتبِراً أن «ما حدث في سوريا أثّر في كل الدول العربية»، ومعرباً عن ثقته بأن سوريا «قادرة على تجاوز التحديات التي فرضتها الحرب»، ومشيراً إلى أن الإمارات مستعدة دائماً لمساندة الشعب السوري. وقد رحّبت العديد من الدول العربية بالزيارة وأثنت عليها كخطوة يمكن أن تسهّل عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
لقد كان للغياب السوري عن الساحة العربية أثمان كبيرة، فعلى مدى سنوات الحرب أصبحت سوريا ساحةً للإرهاب ولتصفية الحسابات، حيث تتقاطع على الساحة السورية مصالح إقليمية ودولية وترتسم سياسات عالمية وفقاً لاعتبارات توافق المصالح أو تضاربها، حيث غيرت السنوات العشر الماضية من مساحات النفوذ. فمع المقاطعة العربية لدمشق، تمدد النفوذان الإيراني والتركي، فيما ظلت العلاقات السورية الروسية في أوج قوتها طوال هذه السنوات. 

واليوم بدأت المنطقة العربية تشهد تحولات أعادت من خلالها الدول العربية ترتيب أولوياتها، خاصةً مع تغير السياسة الأميركية في المنطقة من ناحيةٍ، وتعززُ العلاقات العربية الروسية من ناحيةٍ أخرى، حيث بدأت العديد من العواصم العربية في العمل على إعادة دمج سوريا في نسق التفاعلات العربية العربية، وبدأت بإحياء الروابط الاقتصادية والدبلوماسية بغض النظر عن السياسة الأميركية تجاه سوريا. وستشهد الأيام القادمة المزيدَ من الانفتاح العربي المرحِّب بعودة سوريا إلى الصف العربي.


كاتبة إماراتية