تطرق «منتدى الاتحاد» السادس عشر، والذي عقد نهاية الأسبوع الماضي بالعاصمة أبوظبي، إلى العديد من القضايا الخاصة بالتنمية، باعتبارها قاطرة للاستقرار والإسهام الحضاري وعلاقة ذلك بالتقدم العلمي والتكنولوجي المرتبط بالابتكار وإدارة الأزمات والذكاء الاصطناعي واقتصاد المعرفة، حيث تمت تغطية هذه القضايا المهمة من خلال العديد من أوراق العمل التي أسهمت في التنويه إلى الكثير من التطورات التي طالت هذه الجوانب، مع التركيز على التجربة الإماراتية وتطلعات خمسينيتها القادمة، باعتبارها تجربة مميزة من بين تجارب البلدان الناشئة.
ومع أنه من الصعب التطرق لمجمل هذه القضايا، إلا أننا سنتناول إحداها، والتي ربما تعبر عن بقية القضايا وجديتها في إحداث التغيير؛ فلأول مرة تتم دعوة محاضرين شباب للتحدث عن تجاربهم في مجال البحث والابتكار، والتي تعتبر أمراً مستجداً في المنطقة، وهو ما يشير بوضوح إلى التغيرات المرتقبة في التنوع الاقتصادي الإماراتي والخليجي، وكذلك التغيرات المرتقبة في هيكلية سوق العمل في هذه البلدان من خلال البرامج والسياسات المعتمدة، وبالأخص التوجهات والرؤى التنموية للعقد الجاري.
ومن ضمن أمور أخرى لحديث الجيل الشاب، يمكن الخروج بالعديد من الاستنتاجات، ففئة كبيرة من الشباب الخليجي لم تعد تنظر إلى النفط باعتباره ثروة البلاد الأساسية، وهي لا تنتظر حتى نهاية الشهر لتستلم جزءاً من عوائد النفط، كمرتبات، كما هو حال البعض من الأجيال السابقة، وإنما تمتلك الطموحَ والمبادرةَ لاقتحام عالم الابتكار والإبداع والعلم الرقمي، مع كل ما يوفره من فرص لبناء اقتصادات متقدمة تعتمد على المعرفة بعيداً عن الاعتماد على الثروات الطبيعية الناضبة، رغم أهميتها الحالية.
وبعيداً عن ذكر الأسماء، فقد تحدثت إحدى الباحثات الإماراتيات الشابات بحماس من الولايات المتحدة، حيث تدرس وتقوم ببعض الأبحاث هناك، عن تجربتها في الابتكار، إذ تقوم حالياً ببعض الأبحاث التي يمكن أن تساهم في التقدم والتنمية. كما تحدثت شابة أخرى عن عملها في الذكاء الاصطناعي والنجاحات التي تحققت في هذا المجال وبرزت في معرض إكسبو 2020 دبي. في حين تحدث شاب عن تجاربه العلمية في عالم الاكتشافات والابتكارات الحديثة والتي يمكن أن تساهم في إيجاد حلول وعلاجات لبعض الأوبئة والأمراض التي تعاني منها البشرية. كما تحدثت شابة ثالثة عن ارتباط النجاح الاقتصادي بصناعة القوة الناعمة وعلاقة ذلك بالمفهوم الجديد للقوة الناعمة لارتباطها بالابتكار والتقدم التكنولوجي، حيث تُلاحَظ المساهمة الكبيرة للفتيات في مجال الابتكار والبحث العلمي، إذ يبدو أن هناك اهتماماً أكبر من قبلهن مقارنةً باهتمامات الفتيان.
الاستماع إلى أحاديث الشباب وتطلعاتهم للابتكار والرقمنة والتجديد، يبيّن بوضوح مسار التنمية القادم في الخليج العربي والذي سيعتمد على العمل التقني والمهني الرقمي، وليس الأعمال التقليدية السابقة، وهو ما سيؤدي في حالة نجاحه إلى إحداث نقلة نوعية في الاقتصادات الخليجية تتناسب ومرحلة اقتصادات المعرفة بشرط العمل بالسرعة التي يفكر فيها الجيل الحالي. فالعقول الشابة متحمسة وذكية وتملك قدرات هائلة لإحداث التغيير، لكن هناك أسس ضرورية ومهمة لا بد من توفرها لإنجاح هذا المسعى، وبالأخص تلك المتعلقة بالتأسيس لبنية تحتية متعددة للابتكار والبحث العلمي، من مراكز للبحوث والتجارب العلمية، والتي ما تزال بحاجة لدعم واستثمارات كبيرة، إذ إنه من دون ذلك يكون أمام الشباب خياران لا ثالث لهما؛ إما الهجرة إلى الدول التي توفر مثل هذه البنية التحتية المتقدمة، وإما اليأس والركون للحصول على جزء من العائد النفطي نهاية كل شهر! وبالتأكيد فقد قِيم ببعض مثل هذه المعاهد والمراكز الابتكارية والبحثية في السنوات القليلة الماضية، وبالأخص في الإمارات والسعودية، إلا أن تزايد أعداد المبدعين والمبتكرين الخليجيين يتطلب زيادة الاهتمام بهم وتشجيعهم وتوفير متطلبات النجاح لهم، لتكتمل وتتكامل التوجهات التنموية المستقبلية والتي يمكن أن تؤدي في حال نجاحها إلى تنوع الاقتصادات الخليجية، وتحولها إلى اقتصادات معرفية حديثة ومستدامة تستبدل بها دول مجلس التعاون مرحلة النفط والاقتصاد الأحادي، وهو ما سيمنحها قوة اقتصادية للمنافسة، وضمان الاستقرار المعيشي والاجتماعي. 


خبير ومستشار اقتصادي