مرة أخرى فيما يبدو، صمد سياج الحماية من الفاشية في ألمانيا الذي كان أساسياً في أيديولوجيا ما بعد الحرب. فلم يبل «حزب البديل من أجل ألمانيا» (من أقصى اليمين والمناهض للهجرة) بلاءً حسناً في الانتخابات التي أجريت في الآونة الأخيرة. وفاز الحزب الذي تأسس عام 2013 بمقاعد في البوندستاج (البرلمان الألماني) لأول مرة في عام 2017 ليصبح ثالث أكبر حزب سياسي في الهيئة التشريعية وأول ممثل لأقصى اليمين منذ الحرب العالمية الثانية. لكنه خسر 11 مقعداً في الانتخابات التي أجريت الشهر الماضي، في انخفاض بنقطتين مئويتين عن دخوله الأول للبرلمان. وقد تعاهدت الأحزاب الأخرى على عدم إدخال الحزب في تشكيل أي ائتلاف حكومي. 
لكن على نحو آخر مهم، يوشك حزب البديل أن يصبح فائزاً. فالمؤسسة التابعة سياسياً له في طريقها لأن تحصل على ملايين اليوروهات من أموال دافعي الضرائب دون قيود تقريباً، على كيفية إنفاقها بسبب الافتقار إلى آلية خاصة بالشفافية. فإذا كان نفوذ قوى رهاب الأجانب قد تقلص في البوندستاج، فإن الذراع التعليمية والاستقطابية والدعائية لحزب البديل ستحصل على المزيد من النفوذ المدعوم بأموال الشعب. 
والحكومة تدعم أحزاب ألمانيا السياسية منذ عقود. وأي حزب يمثله أعضاء في البوندستاج لثاني فترة على التوالي، تتلقى المؤسسات المنتسبة له تمويلاً هي كذلك. والرسالة التعليمية لهذه المؤسسات السياسية تتضمن تنظيم الفعاليات وإجراء الأبحاث وتقديم منح دراسية ونشر الآراء حول العالم. وفي عام 2019، حصلت المؤسسات الست التابعة للأحزاب الممثلة في البوندستاج على 660 مليون يورو، وهو ثلاثة أمثال ما تحصل عليه الأحزاب نفسها. والآن تطالب «مؤسسة ديسيدريوس اراسموس» المنتسبة لحزب البديل بقطعة من الكعكة. 
وهذا يمثل معضلةً ويكشف ضعفاً في السياج الحامي ضد الفاشية. فالنظام متعدد الأحزاب يمثل جزءاً من الدستور وألمانيا ملزمة بتمويل أي أفكار، مهما يكن جنونها، يؤمن بها قسط كاف من الناخبين! وعلى الجانب الآخر، يحظر الدستور التطرف السياسي الذي يعتبر تهديداً للنظام الديمقراطي. لكن من الصعب تحديد أي من هذه الأفكار يشكل تهديداً. 
والانتباه منصب الآن على وكالة الاستخبارات الألمانية الداخلية التي لديها نوع ما من التحذير السريع. فالعنف ليس شرطاً لكي تستهدف الوكالة منظمةً ما بالمراقبة المتعلقة بالتطرف، لكن يتعين على القضاء في نهاية المطاف إصدار قرار بشأن مدى التهديد. وحزب البديل خضع للمراقبة، لكن مؤسسة «ديسيدريوس اراسموس» لم تخضع بعد للمراقبة. وهذا يترك في يد حزب البديل أداةً خطرة. وممثلو المؤسسة يعلمون ما يعلمه ممثلو المؤسسات الأخرى منذ فترة طويلة، وهو أن التثقيف السياسي تأثيره أعمق وأقوى على الرأي العام من أي حملة انتخابية. وتأييد واحد من كل عشرة ناخبين ألمان لحزب البديل في انتخابات هذا العام جاء بفضل انتشار أفكار الجناح اليميني في التيار الرئيسي في ألمانيا. 
وتتوقع رئيسة مؤسسة «ديسيدريوس اراسموس»، إيركا شتاينباخ، حصولَ المؤسسة على ثمانية ملايين دولار العام المقبل و16 مليون دولار في السنوات التالية. وتجدر الإشارة إلى أن شتاينباخ تركت «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» الذي تنتمي إليه أنجيلا ميركل في عام 2017 بسبب خلافها مع سياسية المستشارة الألمانية بشأن الهجرة. وقد يكون الرقم الذي ستحصل عليه المؤسسة أكبر من هذا بكثير. والحسابات المختلفة تشير إلى احتمال حصول المؤسسة على ما يتراوح بين 70 و80 مليون دولار في العام. والمخصص الذي ستحصل عليه مؤسسة ما يتقرر جزئياً وفقاً لمفاوضات الميزانية وحجم الحزب وكلفة مشروعات معينة يعتزم القيام بها. 
ومن المفترض أن الأحزاب والمؤسسات كيانات منفصلة، لكن حزب البديل ومؤسسة ديسيدريوس اراسموس يشتركان في أهداف متطابقة. وتزعم شتاينباخ أنه لا يوجد مكان «للأفكار المتشددة والعنصرية والمتطرفة» في المؤسسة التي ترأسها، لكن عدداً من الاتحادات والمنظمات، بما في ذلك «المجلس المركزي لليهود» في ألمانيا، اتهموها وأعضاء آخرين من مجلس إدارة المؤسسة بالتهوين من شأن الهولوكوست، وبأن للمؤسسة علاقات بجماعات متطرفة. ورصدت دراسةٌ لمؤسسة «أوتو برينر» حالات لارتباط شخصيات بارزة من مؤسسة ديسيدريوس اراسموس بمنظمات يمينية متطرفة. وبعض أعضاء المؤسسة يشتهرون بأنهم من أقصى اليمين منذ عقود ولهم تاريخ في ذلك. 
ولا يوجد قانون يضبط تمويل الحكومة للمؤسسات المنتسبة للأحزاب. وحتى الآن لم تؤيد الأحزابُ ومؤسساتُها مثلَ هذا القانون بسبب الفوائد التي يحصلون عليها من النظام الحالي. وتوزيع التمويل مرتبط بنتائج الانتخابات، لكن العملية مبهمة للغاية وغير رسمية إلى حد كبير. وانتقد مكتب التدقيق المالي الاتحادي الألماني «انتهاكات كبيرة» من كل المؤسسات الست في الدفع لموظفيها. 
ومؤسسة ديسيدريوس اراسموس تعتمد حتى الآن على متبرعين من القطاع الخاص. وبمجرد حصولها على تمويل من الحكومة، يتوقع أن تقوم بما تفعله المؤسسات الأخرى. أي تمثيل ألمانيا على امتداد العالم، ودعم الجيل التالي من المفكرين الأيديولوجيين ببرامجها للمنح الدراسية. وهذا يعني أن مساعدة المؤسسة سيجعل لليمين المتطرف موطئ قدم في الجامعات الألمانية. ويأمل الحزب أن تمده المؤسسة بالشباب من أقصى اليمين، في ظل افتقار الحزب للموظفين والباحثين الأكاديميين. وإذا تدفقت ملايين اليوروهات من أموال دافعي الضرائب إلى خزائن المؤسسة، فسيحصل اليمين المتطرف بالتأكيد على المزيد من الدعم من جانب المجتمع خلال السنوات المقبلة. إن لم يكن في صورة أصوات، فسيكون في صورة أفعال. والسياج الحامي من الفاشية والذي ظل فاعلاً لأكثر من نصف قرن لم يعد قوياً فيما يبدو الآن. 

أنيلي نيوامان
صحفية تحقيقات مقيمة في برلين تعمل في تلفزيون «تست. دي. إف.» الألماني
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»