في لعبة سؤال التاريخ «ماذا يحدث لو؟»، الأمر يستحق أن نتخيل ما عساه كان يحدث لو أن كولن باول، حين كان في بداية تسعينيات القرن الماضي من بين أكثر شخصيات أميركا تمتعاً بالإعجاب، قد التفت إلى مناشدات «المحافظين» بالسعي إلى الحصول على ترشيح الحزب «الجمهوري» للرئاسة عام 1996، والفوز به، ثم إلحاق الهزيمة ببيل كلينتون، في نوفمبر من العام نفسه. لربما كان «الجمهوريون» هم من قدموا أول رئيس أسود لأميركا.

ولكان أول رئيس، منذ أندرو جاكسون، من أبناء المهاجرين ولأصبح برهاناً حياً على أن البلاد التي تفتح أبوابها لغرباء فقراء تحقق ثراء هائلاً من طموحاتهم وجهودهم. ولربما كان لرئيس يذكرنا بـ«دوايت ازينهاور» باعتدالة ومكانته العسكرية والعامة أن يلعب دوراً في كبح جماح «الجمهوريين» المتشددين والمرشحين الأفضل حظاً لدى الشعوبيين الغاضبين الذين انتخبوا دونالد ترامب بعد ذلك بعشرين عاماً.

ولكان من شبه المؤكد ألا يحدث الخلاف الشديد في نتيجة انتخابات 2000 التي حسمتها المحكمة العليا. وربما دخلت البلاد القرن الحادي والعشرين محوطة برصانة أكبر وشقاق أقل. والمعركة ضد التطرف الإسلامي التي كانت من المحتمل أن تواجه «باول»، في فترة ولاية ثانية محتملة، لربما أخذت شكلاً مختلفاً في الداخل والخارج. لكن باول اختار ألا يخوض السباق. والسمات الشخصية التي جعلته مثالاً للقائد العسكري والمستشار الرئاسي لم تكن تناسب خوض حملات انتخابية مريرة.

ولم يكن لديه أيديولوجية خاصة بخلاف أنه يقوم بحل المشكلات بتوجهات محافظة نوعاً ما. ولم لديه ذاك الاعتقاد الديني الذاتي الذي يبديه معظم المرشحين. وكان يعتبر نفسه جندياً ورجل دولة على غرار الجنرال جورج مارشال، وزير الدفاع الأميركي الشهير السابق الحاصل على نوبل للسلام. ولم يكن يعتبر نفسها سياسياً تتوقف مسيرته على استطلاعات الرأي، وتكون علاقته بالحقيقة مرنة. ولا عجب لذلك في انتهاز باول فرصة أن يكون وزير خارجية الرئيس بوش الابن.

لقد كانت فرصة لتعليم مبتدئ في السياسة الخارجية في وقت كان يمثل وعداً فريداً فيما يبدو للولايات المتحدة. لكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر عصفت بعقد من رضا أميركا عن مكانتها على قمة نظام عالمي فيما يفترض أن يكون نهاية التاريخ. وعصف رد الإدارة على الهجمات بأي آمال ربما كانت لدى باول ليكون شخصية مهيمنة في إدارة بوش. ويجري تذكر باول أحياناً بأنه الرجل الذي كان بوسعه وقف غزو العراق، لكنه افتقر إلى الجرأة أو مهارات القتال السياسية للقيام بهذا.

وهذا غير عادل وغير دقيق تاريخياً. فالذي يُنسى بسهولة الآن هو أن فكرة تصوير صدام حسين باعتباره تهديداً للأمن العالمي كانت راسخة لدى هيلاري كلينتون وجون كيري وجو بايدن وتشاك شومر وادم شيف، بين كثيرين آخرين.

وملف أسلحة الدمار الشامل الذي قدمه باول لمجلس الأمن الدولي قبيل حرب العراق كان يتمتع بثقة كاملة من الاستخبارات الأميركية. وما يُنسى هو أن باول أجرى محادثات سرية مطولة مع بوش ناقش فيها التحدي الحقيقي للغزو والمتمثل في أنه سيتعين على أميركا تحمل عبء إعادة إعمار العراق بعد الحرب. وكانت هذه نصيحة صائبة واستدعت التخطيط الدقيق لفترة ما بعد سقوط صدام.

لكن بوش أوكل مهمة إعادة الإعمار إلى دونالد رامسفيلد. ثم جاء الدمار الأكبر على يد بول بريمر، الحاكم الأميركي للعراق شديد الثقة بنفسه الذي كان يرفع تقاريره إلى رامسفيلد والذي ساعد في تمهيد التربة لعمليات التمرد بتسريحه الجيش العراقي. ولا يستحق باول اللوم تقريباً لأنه ذكر أنه لم يستشر قط في هذا القرار. لكن أداء باول كوزير كان يعكس أيضاً فضائل وقيود النظام الذي صعد به والذي أصبح باول يجسد مثالبه ومحاسنه. فقد جاء باول في عصر كانت النظم الأميركية تجدي نفعاً. فقد جاء والداه من جاميكا إلى أميركا عبر الأبواب الشرعية.

وتلقى تعليمه، بحسب روايته، في مدرسة عامة جيدة. وكان الجيش قد تخلى عن عنصريته قبل عقد واحد فقط من انضمام باول إليه، ورأى فيه باول أمله وترقى سريعاً. وانتصر باول في حرب الخليج بطرد قوات صدام من العراق فيما عرف باستراتيجية «الصدمة والترويع». والثناء الذي قابله به الجمهور الأميركي أعلن فيما يبدو مستقبلاً طال انتظاره لما بعد العنصرية. لكن الأمور ساءت في الأنظمة الأميركية بين الزمن الذي صنع باول وصعد به إلى مرتبة رفيعة وبين الزمن الذي أصبح له يد في صياغة هذه الأنظمة من أعلى.

فقد أصبحت عمليات الهجرة غير متسقة. وتدهور التعليم العام. وحدث ركود في الحراك الاجتماعي. وفي كل مستوى تقريباً من السلطة، وقفت البيروقراطية في سبيل المبادرة، ووقف اتفاق الآراء في سبيل التفكير المستقل. والمزيج نفسه من الدماثة والاعتدال والتأرجح الذي منع باول من خوض السباق على منصب الرئيس هو المزيح نفسه الذي منعه من أن يكون ناقدا أو إصلاحيا يحتاج إليه حقاً نظام متصدع. أيها الجنرال باول، كان يجب أن تخوض السباق الرئاسي عام 1996.

*صحفي وكاتب أميركي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/10/19/opinion/colin-powell.html