يوجد اعتقاد لدى علماء السياسة في الشق المتعلق فيه بالفكر السياسي بوجود ارتباط بين الوطنية، من حيث تأثيرها على السياسة الخارجية وبين الأيديولوجيا، فهي قد تتحول إلى باعث يؤثر على المواطنين كثيراً عندما ترتبط بقوة بالأيديولوجيا أو أنها تقوم وهي مرتبطة بالسياسة الخارجية على أيديولوجية تقوم بتحريكها في اتجاهات شتى قد تكون خطيرة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأهمية التي تحظى بها عوامل من قبيل الدين أو الاقتصاد أو الأفكار السياسية المتطرفة في تشكل السياسة الخارجية للدول وقراراتها بالعمل من أجل صنع السلام أو الدخول في الحروب. لذلك، فإن الأيديولوجيا لا يجب أن تصنف بأنها أقل أهمية من القوى المتحركة الأخرى التي تؤثر في السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

وفي هذا السياق، فإن الأيديولوجيا التي تنتهجها دولة الإمارات ليست بتلك التي قد يظن البعض بأنها إحدى الأيديولوجيات المستوردة من الغرب أو الشرق أو من الشمال أو الجنوب، بل هي محلية خالصة تعتنقها القيادة والشعب قائمة على منهج وسطي في التعامل مع كافة الأمور التي تهم الوطن والمواطنين، فلا يوجد لدينا في فكرنا لا غلو ولا تطرف ولا انحياز. قيادة وشعب دولة الإمارات عرب ومسلمون ومحبون للعالم أجمع وللسلام العالمي ونابذون للحروب، ويسعون دائماً إلى مساعدة البشرية للعيش في سلام على كل بقعة من بقاع هذه الأرض، ويسعون إلى التعاون مع البشرية جمعاء لتحقيق المصالح المشتركة دون ما تمييز بين عرق أو قومية أو إثنية أو شعب أو دولة، هكذا جبلوا وهكذا يعيشون.

وطوال تاريخها على مدى الخمسين عاماً التي انقضت تعد هذه الوسطية، وهذه العوامل محددة لتوجهات السياسية الخارجية لدولة الإمارات، وإذ أشير إلى ذلك، فأنا لا أقصد بأننا شعب غير مستعد للدفاع عن مقدرات وطنه، إذا ما تعرضت لسوء، فنحن كغيرنا من شعوب الأرض لدينا أمر مؤكد، هو أن الأفكار التي تدخل فيها معتقداتنا وقضايانا التي يتم الإيمان بها تحتوي دائماً على روح وثابة في حب الوطن والاستعداد للدفاع عنه. وضمن ذلك يوجد نزعة موروثة للدفاع عن الوطن.

إن الأفكار العظيمة يوجد ضمنها حيز يكون التصرف وفقاً له مدفوعاً بأعمال قوامها حب الوطن والدفاع عنه، وهذا أمر مؤكد وراسخ، دولة الإمارات منذ أن تأسست في الثاني من ديسمبر 1971، تعيش في أمن وأمان.

والدليل على ذلك أن التاريخ البشري، بما في ذلك تاريخنا منذ القرون الوسطى يخبرنا بأن جميع شعوب الأرض منذ بدء الخليقة جعلت الأفكار التي تحملها محركاً أساسياً لأنماط تصرفاتها تجاه الخارج.

الأفكار التي يعتنقها الإنسان تفعل فعلها في سلوكياته ولها جميعها عصرها الذي تتحرك فيه تجاه الخارج، ونحن كذلك نتجه نحو الخارج حاملين غصن الزيتون، وحزم من الأفكار السلمية للعيش المشترك بين جميع الشعوب، ومشاريع اقتصادية وتنموية وخيرية لخدمة البشرية جمعاء. الفكرة تتمحور حول أنه طالما كان للبشر معتقدات ويقومون بتبني أيديولوجيا، فإنهم غالباً ما يصبحون ملتزمين بها ويسعون دائماً إلى حمايتها ونشرها في الخارج واستخدامها لتحقيق مصالح أوطانهم الوطنية.

لذلك فإن قوى الحس الأيديولوجي مأخوذة في الاعتبار في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، عند تعاملها مع كافة دول العالم، خاصة عندما يكون محور العلاقة بينها وبين تلك الدول متركزاً في الجوانب المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين وبتحقيق المصالح المشتركة.

وضمن هذا الطرح لا بد من الإشارة إلى أن الأيديولوجيا التي تسود وتؤثر هي تلك التي يعتنقها ويتبناها القادة بشكل جماعي. فالقيادة هي التي ترسم وتسن وتمارس وتنفذ السياسة الخارجية للبلاد، وهي سياسة خارجية وسطية متزنة ومتوازنة.

* كاتب إماراتي