عبر أكثر من عشرين عاماً من السفر كمراسل صحفي، توصلت إلى نتيجة مفادها أن كل مكان في الأرض لديه درس ليعلمه للمناطق الأخرى. سواء كان هذا المكان هو حوض نهر الأمازون أو الأزقة الخلفية في دلهي، فقد علمني كل مكان شيئاً ما. وبالتأمل في البشرية نجد الإجابات على كثير من أسئلتنا، إذا تحلينا فحسب بالتواضع وحب الاستطلاع. وعندما قرأت في الأيام القليلة الماضية، تذكرت أحد الدروس الرائعة التي تعلمتها أثناء هذه الفترة وهي أن حل المشكلات ليس صعباً غالباً إلا بقدر ما تختار أن تجعله كذلك. لقد علمتني ألمانيا هذا الدرس. والدليل على هذا إنني انجذبت لقصة الغلاف التي كتبتها الزميلة لينورا تشو عن المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي تترك المنصب قريباً بعد 15 عاماً في السلطة. 

فما سر المستشارة ميركل في هذا المشوار السياسي الطويل والناجح؟ لقد كانت تقوم بحل المشكلات في غمرة أزمة بعد أزمة. ويستطيع المرء أن يجادل بسهولة أن هذا كان قوتها العظمى ويكتفي بهذا. لكن هذا قد يغفل الدرس الذي تقدمه ألمانيا للعالم. فلم تكن ميركل شخصية استثنائية تستحق فيلماً خاصاً بها كشخصية خارقة. ألمعية ميركل لها جذور أكثر تواضعاً بكثير في البراجماتية الألمانية المميزة. وقدمت لينورا حقيقة مهمة أثناء حديثها عن الكيفية التي أنجزت بها ميركل ما أنجزته. وذكرت لينورا أن ميركل كانت دوما في الوسط. وهذا لا يعني أنها كانت دوماً معتدلة. فقراراتها لإنهاء الطاقة النووية وقبول مليون لاجئ كانت متشددة وفق بعض المعايير، ناهيكم عن أنها كانت ضد المتشددين في حزبها. لكنها كانت شديدة البراجماتية في قراراتها. وذكر أحد المصادر في قصة لينورا أن ميركل «كان لديها حس لا لبس فيه عن تواجد الناخبين عبر طيف واسع». وذكر مصدر آخر أنها أجادت «البراجماتية الألمانية العظمى». 

وربما أكبر ضحية للتفكير شديد الاستقطاب هو حل المشكلات. الحلول ليست نتيجة تفكير متحجر. وهي لا تعرف شيئاً عن الخطوط الحزبية أو الآراء الشخصية. لكنها تتطلب البراجماتية وتظهر في مكان ما قريب من الوسط. في بؤرة الشد والجذب الفكري الذي يشق طريقاً جماعياً للمضي إلى الأمام. والمجتمع الذي يستسلم للاستقطاب هو مجتمع يعطي الأولوية للرأي الشخصي على حل المشكلات. لقد أرادت ميركل بحال من الأحوال العثور على إجابات عملية، وهذا كان يعني أنها «كانت آخر شخص يظل واقفا حين كان كل رؤساء الدول مستعدين للذهاب إلى غرفهم في الفنادق»، بحسب قول أحد علماء السياسة. فأين كانت تنفق جهودها؟ كانت تنفقها في محاولة إنجاز الأمور.