«الإسلام والغرب والتسامح.. إدراك التعايش» عنوانٌ جديدٌ أضيف إلى المكتبة العربية في وقت تشتدّ فيه الحاجة إلى مثل تلك العناوين، ففضلاً عن قيمته العلمية، فمؤلف الكتاب «آرون تايلر» رجل دين مسيحي أميركي الجنسية، وقلما توجد كتب مترجمة إلى العربية لمؤلفين غربيين يناقشون سبل التعايش بين المسلمين والغرب، ولعلّ هذا ما دفع «مجلس حكماء المسلمين» إلى نشر الكتاب بنسخته العربية.
ولقد تمثّلت أطروحة الكتاب في البرهنة على أنّ التسامح الغربي ليس ثمرة لعصر التنوير، فالشائع أنّ بذور التسامح الغربي تعود للقرن السادس عشر، وتطوّر في القرن السابع عشر، ثم ازدهر بأقلام فلاسفة القرن الثامن عشر، حتى نضج في القرنين التاسع عشر والعشرين بفضل الحركات الليبرالية والعلمانية، بينما الكاتب يستشهد بمؤلفات ووقائع تدلّ على أنّ التسامح الغربي، إن نظرياً وإن عملياً، وُجد منذ القرن الرابع الميلادي، وأنّ ثمة مجموعات مختلفة ومتباينة دعت إلى التسامح ودافعت عنه على مدار التاريخ الغربي.
وهذا السعي من الكاتب نحو العودة إلى جذور التسامح الغربي، لا يقصد من ورائه في اعتقادي إلى التقليل من دور فلاسفة عصر التنوير ومَن تلاهم من دعاة الليبرالية والعلمانية، وإنما إثبات أنّ التسامح في الغرب ليس أمراً طارئاً أو منبثقاً من فلسفات حديثة، بل له جذور تمتد إلى أعماق التاريخ.
وهكذا فعل الكاتب مع التسامح في الإسلام، فهو يعود إلى جذوره الأولى المتمثلة في القرآن الكريم. ويستشهد الكاتب ببعض المفكرين المسلمين الذين أثبتوا أنّ القراءة المتشدّدة للإسلام من قِبل المتزمتين المسلمين في العصر الحديث، إنما استندت إلى عزل القرآن الكريم عن سياقه التاريخي، وعن مبادئه الأخلاقية الثابتة في العدالة والخير والمودة والرحمة والإحسان والحلم والسلم، وأنّ القراءة السلمية التي تربط القرآن بالسياق تكشف عن أصالة خلق التسامح في الإسلام.
الأصل في الإسلام هو الأمر الإلهي بالتسامح مع الاختلاف الدنيوي الثابت بين البشر، والتأكيد على سلطة الله في حلّ الأمور الخلافية في الآخرة، بل حتى منح غير المسلمين بركة الخلاص، كما في قوله تعالى «إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين مَن آمن بالله واليوم الآخر وعملِ صالحاً، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون»، وأنّ الاستثناء في هذا هو مواجهة التهديدات، والتصدي لحالات الظلم السافر التي تقع على المسلمين، والدفاع عن النفس، والمعاملة بالمثل في مثل هذه الظروف.
أما على مستوى التطبيق، فيلقي الكاتب نظرةً فاحصةً على معنى التسامح وفقاً لمفهوم الذمة في التاريخ الإسلامي، فرغم أنّ عقد الذمة ليس مكافئاً للجهود القانونية الحديثة لتحقيق التعايش بين الأديان، إلا أنه كان بمعايير ذلك العصر توجهاً ثورياً ورائداً، وعقداً يرمز لدرجة من التسامح لم يكن لها مثيل. ثم يستعرض الكاتب مبدأ التسامح في الإمبراطورية العثمانية، وكذلك التسامح الذي انتعش في شبه القارة الهندية في ظلّ حكم السلالة المغولية.
كاتب إماراتي