إشاعة الفضائح.. لا الفضائل!
كثير من البشر تغيّرت قناعاتهم ومفاهيمهم وتصرفاتهم، بشكل لافت ومستغرب ومخالف للسائد والمألوف في الحياة والسلوك والممارسة.
ونجد بعضهم في هذه المرحلة المتقلبة المتغيرة يفتشون عن إخفاقات البشر وأخطاء الأفراد، ويعلّقون عليها فشلهم، ويفشونها علناً، ويفتشون في دقائق الأمور وبواطنها بحثاً عن خطأ هنا أو قصور هناك، فقط بدافع الفضول الأعمى والحقد الأسود والأنانية القاتلة.. فيهولون أي شيء من ذلك، جاعلين من الحبة قبةً.. سعياً لإفشاء خصوصيات الآخرين وأعراضهم.
وفي سبيل ذلك يفعلون المستحيل من أجل تشويه سمعة غيرهم. إنهم يفرحون بنشر الرذائل وإفشائها بلا هوادة، ويسعدون بإظهار الفضائح وتسويقها بدافع الانتقام والكراهية والحسد. وهم يتلذذون بذلك، وفي سبيله يختلقون ما شاؤوا من معلومات كاذبة وملفقة، فقط بغية النيل من الآخر لأنه تقدم عليهم.
هناك كثير من النماذج السلبية لأشخاص يظهِرون الرذيلة ويخفون الفضيلة، وينكرون المعروف وينسفون الجميل، ويشوهون الفرح وينشرون الشر والظلام ويشيعون الفاحشة ويبالغون في ذلك.. ليس لسبب إلا لأنهم يستمرئون التعدي على حرمة الأوطان ورموزها، فقط لأنها تنعم بالطمأنينة والاستقرار، أو لأنها تختلف معهم في توجهاتهم وأيدلوجياتهم.. دون أدنى احترام لحرمة المساس بالثوابت والقيم والأخلاق!
باختصار هناك فتاة مرتبكة ومضطربة كانت ما تزال قاصراً حين هربت من بيت أهلها، حيث غُرر بها لأسباب نجهلها، لكنها غادرت بلدها قبل عدة سنوات من دون إذن، واحتضنتها دولة أجنبية بحجج واهيه وملفقة لإثارة وتأجيج الرأي العام ضد مجتمعها وأسرتها ذات المكانة الاجتماعية المحترمة. الشابة مراهقة طائشة، وربما تعاني مرضاً نفسياً، والمؤكد أنها تفتقر إلى التوازن والسواء الوجداني، وهو ما دفعها إلى ذلك السلوك الغريب، والذي ظهر جلياً من خلال بعض تصرفاتها.
ورغم ذلك فقد احتفت بها محطات فضائية ووكالات أنباء وصحف ومجلات ومواقع تواصل اجتماعي ومنصات إعلامية.. بشكل موسع ولافت للانتباه، كما استضافتها منتديات ونوافذ إعلامية باهتمام غير عادي. ولا نجد من مبرر لكل هذه البهرجة والضجة لهذه الشخصية سوى الرغبة في الإساءة والترويج للنماذج المستهجنة من قبل مجتمعها.
إنها قصة تافهة مريبة عجيبة، تمت فبركتها، ومع ذلك جاءت خالية من المعنى والفائدة والقيمة والأهمية، فقط من أجل التشويه والتلذذ بإيذاء الآخرين والإساءة لسمعتهم، من خلال تصرف فردي مشين وسلوك معزول تافه ومستغرب من الجميع، وهو لا يستحق كل هذه الضجة والهيلمان والبهرجة الإعلامية المغرضة المجانية والمجانبة للحقيقة.
إنها حملة شاركت فيها أطراف لكل منها أهدافه الخاصة؛ فبعضهم هدفه تشويه صورة الإنسان العربي والمسلم، وبعضهم تدفعه حسابات سياسية واقتصادية معروفة، وبعضهم له ثأر أيديولوجي. فلماذا كل هذا الاهتمام بفتاة فاقدة للأهلية وربما تعاني من اختلال نفسي دفعها إلى ذلك السلوك المستهجن وغير المألوف في بيئتها ومجتمعها وخارجٌ عن كل المفاهيم والقيم المعتدلة؟
لماذا لم تقم المنظمات الإنسانية والاجتماعية والدينية باحتوائها وإخضاعها للفحص الطبي والنفسي، ومنعها من الاستمرار في الإساءة لنفسها وأسرتها ومجتمعها على ذلك النحو؟ أليس حرياً بمن قدموها على ذلك النحو المخجل والمشين أن يعالجوها ويتتبعوا وضعها النفسي والصحي والأخلاقي، من أجل إعادتها إلى الطريق السليم، بدلا من الاحتفاء بتصرفاتها المنحرفة؟! وأين منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات حماية الطفولة من العبث والاستهتار والاستغلال الإعلامي لتلك المراهقة بشكل سافر وخادش للحياء؟!
*كاتب سعودي