بعد مرور أيام قليلة على اليوم العالمي لمنع الانتحار، والذي يحل كل عام في العاشر من شهر سبتمبر، فجع المجتمع المصري بانتحار طالبة في كلية طب الأسنان، عندما ألقت بنفسها من الطابق السادس داخل إحدى مراكز التسوق على أطراف العاصمة المصرية. وعلى حسب ما تناقلته وسائل الإعلام، كانت الفتاة تعاني من توتر في العلاقة مع والدها، بينما أفادت صديقة المتوفاة أنها كانت تعاني من حالة نفسية واكتئاب شديد لشعورها بالاضطهاد وسوء المعاملة.
هذه الفاجعة تصيب أكثر من 700 ألف أسرة سنوياً حول العالم، على حسب الإحصاءات والبيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، والتي تفيد أن بمرور كل 40 ثانية، ينتحر شخص في مكان ما من العالم، مما يجعل الانتحار السبب خلف واحدة من بين كل مئة من الوفيات، ويضعه في المرتبة الرابعة على قائمة أسباب الوفيات في الفئة العمرية من الخامسة عشرة إلى التاسعة عشرة. وكثيراً ما يكون انتحار المراهقين من نوع الانتحار المقلد أو المحاكي، والذي تشتق تسميته من كونه تقليداً ومحاكاة لعملية انتحار تمت سابقاً من قبل شخص آخر.

وفي مقابل كل حالة انتحار تنتهي بمصرع صاحبها، هناك العشرات من محاولات الانتحار الفاشلة، والتي كثيراً ما تسبب لأصحابها عاهة مستديمة أو إعاقة مدى الحياة. هذا الوضع برمته، يجعل من الانتحار مشكلة صحة عامة بكل المقاييس، تعاني منها جميع دول العالم تقريباً، الغني والفقير على حد سواء، وإن كانت شعوب ومجتمعات الدول متوسطة الدخل والفقيرة، تتحمل 77% من العبء المرضي، ومن الخسائر البشرية والاقتصادية الناتجة عن الانتحار.
وهو ما يجعل من الضروري والعاجل، توجيه المصادر المالية والفنية والعلمية المتاحة لنظم الرعاية الصحية، تجاه ما يعرف بإجراءات وتدابير منع الانتحار. فمأساة قتل النفس لا تترك وقعها على الضحايا فقط، بل تمتد تبعاتها لتشمل أسرهم وعائلاتهم، ومجتمعاتهم، ودولهم بأكملها، وهي التبعات التي تستمر آثارها لفترة طويلة. وبناء على البيانات والإحصاءات، من السهل إدراك أننا أمام قضية صحية دولية، تودي بحياة مئات الآلاف من البشر سنوياً في مختلف بقاع وأصقاع الأرض، ليتركوا خلفهم الملايين وعشرات الملايين من الثكالى، من الأهل والأبناء والأقارب والأصدقاء، حيث لا يقتصر وقع وضرر وأذى قتل النفس على مرتكب فعلته وحده، وإنما يتردد صداها في دائرة الأسرة، وتترك أثرها على المجتمع برمته.
كاتب متخصص في الشؤون العلمية.